يبدأ خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، اليوم زيارة رسمية إلى جمهورية إندونيسيا تستمر حتى ال 4 من مارس. بعدها سيقضي الملك – حفظه الله- 5 أيام في جزيرة بالي الإندونيسية. وبمناسبة هذه الزيارة التاريخية والمهمة؛ تستعد الجمهورية الإندونيسية بكافة مؤسساتها وبشكل استثنائي لاستقبال الزائر الكبير. وبهذه المناسبة؛ كان ل «الشرق» لقاءٌ مع سفير خادم الحرمين الشريفين، أسامة بن محمد الشعيبي. تكتسي العلاقات بين المملكة وإندونيسيا بأهمية خاصة؛ فالمملكة تحتضن الحرمين الشريفين، وفيها مسجد وقبر خاتم الأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلم. أما جمهورية إندونيسيا فهي أكبر دولة إسلامية؛ فالمسلمون فيها هم غالبية الشعب الذي يبلغ تعداده أكثر من 230 مليون نسمة. وتم تدشين العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين في عام 1950م. ومن ذلك الوقت وحتى الآن والتعاون بينهما يشهد توسعاً ونمواً مضطرداً في جميع المجالات والأصعدة. وفي لقاءٍ مع سفير المملكة المعيّن حديثاً لدى إندونيسيا؛ قدم الشعيبي هديةً ثمينةً إلى «الشرق» وقرائها الكرام، وهي مقطع فيديو نادر لزيارة الملك فيصل- رحمه الله- التاريخية إلى إندونيسيا في ال 13 من يونيو لعام 1970م، وهي تعتبر الزيارة الأولى لملك سعودي إلى إندونيسيا. ويظهَر في الفيديو، الذي يمكن مطالعته في الموقع الإلكتروني ل «الشرق»، الاستقبال الرسمي الحافل من الرئيس الإندونيسي الأسبق، سوهارتو، للملك فيصل والوفد المرافق له في المطار، ومن ثَم اصطحابه لهم إلى قصر الرئاسة، فيما اصطفت جموع غفيرة من الشعب الإندونيسي الشقيق للترحيب بالملك فيصل الذي كان ملء السمع والبصر وأحد أبرز الزعماء العرب والمسلمين آنذاك. من اللافت للنظر أن زيارة الملك فيصل تلك كانت- قبل زيارة الملك سلمان- هي زيارة القمة الرسمية الوحيدة لملكٍ سعودي إلى إندونيسيا. وهذه معلومة جديرة بالملاحظة. وفي إيجاد تعليلٍ لتفرد تلك الزيارة وعدم تعزيزها بكرَّةٍ أخرى؛ قال السفير الشعيبي إن الثابت في العلاقات بين البلدين والقيادتين الشقيقتين أنها علاقات مستقرة ودافئة ومتواصلة خلال أكثر من 6 عقود متواصلة. وأوضح أن زيارات القمة انعقدت مرات عديدة بين قيادة البلدين، فما من رئيسٍ للجمهورية الإندونيسية إلا وزار المملكة خلال فترة رئاسته والتقى بقيادة المملكة ووجد ما يستحقه من الحفاوة السعودية المعتادة مع كل الدول الشقيقة والصديقة. وكان آخر هذه الزيارات هي زيارة الرئيس الحالي، السيد جوكو ويدودو، في ديسمبر من العام الماضي. وعلى سياق ذي صلة؛ أكد الشعيبي أن المملكة ترعى الأواصر الأخوية وتثمّن الأهمية الاستراتيجية لإندونيسيا، ولهذا فإن الوفود السعودية الرسمية بالكاد تنقطع عن زيارة هذا البلد الشقيق، من أجل تعزيز التعاون في المجالات المختلفة. وذكر السفير، كمثالٍ على التنسيق المتواصل بين القيادتين، زيارات وزير خارجية المملكة، عادل الجبير، إلى جاكرتا التي بلغت 3 زيارات خلال فترة سنة ونصف السنة فقط. وذكّر الشعيبي بأن العلاقات بين البلدين وثيقة إلى درجة أنها تتسامى بعمقها ومتانتها على كل الأعراف المراسمية والبروتوكولية المعتادة بين الدول الأخرى. وفي هذا الجانب؛ كشف الشعيبي أن هناك تطلع وتفاؤل رسمي وشعبي في إندونيسيا بزيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز. يصف السفير الشعيبي إندونيسيا بأنها تمتلك كل المقومات اللازمة لتكون دولة إقليمية عظمى، فعدد سكانها كبير ومتجانس في أغلبه، ولديها موارد طبيعية كثيرة، وموقع جغرافي حيوي، إضافةً إلى قطاع تعليمي مضطرد. ومن الأمور الاقتصادية المشتركة بين المملكة وإندونيسيا، أن كليهما عضو في مجموعة العشرين للقوى الاقتصادية العظمى في العالم. ولديهما أيضاً تحديات متماثلة بشكل أو بآخر باعتبارهما لاتزالان في طور التنمية والتقدم. ومن العوامل المشتركة وحدة المنطلقات الإسلامية بين الشعبين الشقيقين. ولهذه الأسباب وغيرها؛ فإن هناك محفزات متعددة لبناء شراكة اقتصادية وتنموية متعددة ومفيدة لكلا الطرفين. ويؤمِّل السفير أن تقدّم زيارة خادم الحرمين الشريفين نقلة كبيرة في التعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي بين البلدين. رغم أن أندونيسيا تبعد عن المملكة حوالي 9 آلاف كيلو متر؛ إلا أنها من أكثر الدول قرباً إلى المملكة وأهلها. فالسعوديون ليسوا طارئين في تعاملهم مع الثقافة الإندونيسية وشعبها المضياف. وكذلك؛ فإن الإندونيسيين على صلة بالمملكة كمقيمين للعمل أو زائرين للأراضي المقدسة حجاجاً ومعتمرين. وفي هذا السياق؛ يذكر الشعيبي أن هناك حوالي 70 ألف سعودي يزورون إندونيسيا سنوياً. بالمقابل؛ فإن 200 ألف زائر إندونيسي من حاج ومعتمر يزورون المملكة خلال العام الواحد. السماح بالاستقدام مرةً أخرى من إندونيسيا ربما يأتي ضمن قائمة أكثر المواضيع حيويةً لدى المجتمع السعودي، فأكثر من 7 سنوات على توقف هذا الاستقدام جعلت المجتمع السعودي يعاني الأمرّين من هذا الإيقاف دون أدنى مبالغة. ومما يجدُر هنا تفنيد ما يصوّره بعض الضحلاء حول أن الطلب المتزايد على المساعِدة المنزلية إلى جانب السائق الخاص سببه الحياة البطرة والكسولة التي يعيشها أفراد المجتمع السعودي؛ فهذا كلامٌ مجافٍ للحقيقة ومخالفٌ للصواب، حيث أن هندسة المجتمع في السعودية شكلته ليكون مجتمعاً استهلاكياً من الطراز الأول، حتى أمست المساعِدة المنزلية والسائق الخاص ركنين أصيلين في حياة الأسرة في السعودية. وغالب الأسر المتوسطة في السعودية يكون فيها الزوجان موظفين، ولديهما بعض الأبناء الذين يحتاجون متابعة ومجالسة إما لأنهم دون مرحلة الدراسة، أو لأنهم ينتظرون الوالدين بعد العودة من المدرسة. وفي أسرٍ أخرى، يكون هناك أحد ذوي الاحتياجات الخاصة أو شيخ كبير أو امرأة مسنة، وهذا ما يتطلب حتماً عنايةً وملازمةً دائمةً، قد لا يستطيع الأهل توفيرها بسبب انشغالاتهم الوظيفية أو الدراسية. فأين البطر والترف في وجود المساعدة المنزلية في حياة المجتمع السعودي؟! بعد تعذُّر الاستقدام من إندونيسيا لسنوات؛ اضطر السعوديون وتحت وطأة الحاجة الملحّة إلى الاستقدام من دول أخرى، كالفلبين وإثيوبيا وسيرلانكا وبنغلاديش وغيرها، لكن لم تستطع أي جنسية حتى الآن أن تملأ الفراغ الذي تركه غياب المساعِدة المنزلية الإندونيسية، إذ تظل هي الخيار الأول لدى الأسر السعودية، بسبب توافق الديانة، وللطبيعة الصبورة والودودة في العمل والتعامل. خلال الأعوام الماضية كانت هناك مفاوضات ولجان مشتركة لإعادة الاستقدام من إندونيسيا مرة أخرى إلا أنها لم تصل إلى نتائج مثمرة. ولدى سؤاله عما استُجِدّ في هذا الملف الحيوي؛ أبدى السفير أولاً تفهمه لحاجة المجتمع السعودي الكبيرة لعودة الاستقدام من إندونيسيا مجدّداً. وأوضح أن هذا الموضوع يحظى بأولوية لدى الحكومتين الشقيقتين، ووعد بإعطائه الأولوية القصوى خلال فترة عمله كسفير لخادم الحرمين الشريفين لدى الشقيقة إندونيسيا. وأعرب الشعيبي عن تفاؤله بأن تجد المفاوضات بين البلدين في هذا الخصوص تقدماً، بعد توجيهٍ من المقام السامي بفتح ملحقية عمالية سعودية في جاكرتا تختص بجميع شؤون العمال، من ضمنها استقدام العمالة المنزلية. ويأمل الشعيبي أن يعود الاستقدام من إندونيسيا، بطريقة تحفظ حقوق الجميع سواءً المساعِدة المنزلية أو ربّ العمل. وإندونيسيا أرخبيلٌ جُزُري عظيم متناثر على أكثر من 17 ألف جزيرة، وبمساحة تداني المليوني كيلو متر مربع وعلى مسافةٍ طويلةٍ تمتد عدة آلافٍ من الكيلومترات، بدءاً من الحدود مع تايلاند وماليزيا شمالاً وحتى مع أستراليا جنوباً. وتحتل إندونيسيا المرتبة الثانية من حيث التنوع الحيوي، حسب صفحة «إندونيسيا» في موقع ويكيبيديا، بعد البرازيل الدولة الاستوائية العملاقة، رغم فارق المساحة بين الدولتين الذي يميل بالطبع إلى الأخيرة. لكن الأولى تتفرد في صدارة دول العالم باعتبارها الدولة الجُزُرية الوحيدة التي تحوي هذا التنوع المناخي والتضاريسي المميز بين سهل وسفح وشاطئ وجبل. لهذا لُقِّبَت ب «زمردة خط الاستواء» لسحر جمال طبيعتها، وغنى أرضها بالمعادن والثمار وزخر غاباتها بالعطور والتوابل والبهار. ومن اللافت للاهتمام أنه رغم أن الاستيطان البشري فيها يعود إلى مراحل مبكرة من بداية التاريخ؛ إلا أن مناطق كثيرة منها لاتزال بكراً أو محدودة الاستيطان. أما من حيث الموقع الجغرافي فهي تتمركز على أحد أهم المجاري البحرية لخط التجارة العالمي على مدى العصور القديمة والحديثة. وتمثل فاصلاً مهماً بين قوتين اقتصاديتين عالميتين هما الصين والهند، وكانت سواحلها الطويلة مثّلت محطات عامرة للتبادل التجاري قديماً مع إسبانيا وبريطانيا وبالذات في تجارة التوابل. ووقعت إندونيسيا تحت الاحتلال الهولندي لحوالي 300 عام. واحتُلَّت أيضاً من قِبَل القوات اليابانية خلال فترة الحرب العالمية الثانية حتى نالت استقلالها بُعيَد نهاية الحرب.