أُطلقت المفاهيم على كل ما يحيط بالإنسان، فالمفاهيم لا تعكس دائماً ما يراد بها من مسميات وتعريفات، فعلى سبيل المثال عندما نريد إدراك مفهوم «الوردة» فإننا ندركه من خلال التسمية والتعريف والتصور، فتجدنا نخوض في عطرها وشكلها ومعانيها ولونها وتفسيراته وتبريراته، ونحن في كل ذلك لا نكون في الحقيقة إلا أننا ابتعدنا عن الوردة، لأنها تحولت لدينا إلى مفهوم ذهني مجرد، بينما كان علينا أن نرى تلك الصلة الخفية التي تربطنا بها، أو نستشعرها فقط بحواسنا الداخلية، وهي ستقول لنا أموراً عديدة. تتحكم بنا المفاهيم وفق المسميات والتصورات التي ألصقت بكل شيء حولنا، يقول (فاشيستا): عندما تضعف المفاهيم، يقل تأثر المرء بالسعادة والتعاسة، وبمعرفة زيف الأشياء يصبح سهلاً تجنب التعلق بها، فعندما لا يكون هناك أمل لا يكون هناك فرح ولا كآبة، أي أن جميع هذه الانفعالات تتخذ لها مفاهيم ذهنية تصبح هي المسيطرة على الإنسان. العبودية هي العبودية للأفكار والمفاهيم، والحرية هي التحرر منها. وحتى الحرية اتخذت مفهوما ولذا هي تختلف بين أمة وأمة-، وكذلك الصداقة، والعطاء، والحب، وغيرها، فكل ما يتعلق ويحيط بنا أصبح سجنا للأفكار والمفاهيم. إيكارت تول –وهو كاتب ألماني ومؤلف كتاب قوة الآن – يدعو إلى تأمل الوردة، دون التفكير في اسمها، ويقول دعها هي تعرفك بها، دعها تقول لك، باغتها، وأنت ستفهم لغتها لأنك معها في وحدة كاملة. لقد صنعت اللغة الحواجز بين الكائنات في هذا الكون ووضعت القيود، فأصبح النظر والفهم بل وحتى الإحساس يتم غالبا من خلال معرفة المفاهيم وإدراكها. لكن الأجمل هو ما لا نعرفه، وهو الذي يدخل إلى أعماقنا مباشرة لأنه تخطى حدود اللغة والأفكار. فالمودة هي الصداقة، وأنت عندما تكون ودودا ستكون صديق الجميع، دون أن تحدد إطار علاقتك بالصداقة. لقد حُبست أفكارنا داخل المفاهيم، والكلمات، فالتصور الذهني هو الذي يعطينا معاني الأشياء، دون أن نقيم علاقتها بأحاسيسنا، والتحديد يفقدنا الرحابة ويضيق الخناق على تواصلنا مع كل الأشياء في الكون الذي يحدها ويحددها، بينما علينا تقبلها بشكلها المطلق حيث الوعي المطلق الذي يجمعنا بها ويشكِّل فهمنا لها. إن تعميق المعرفة بالذات هو مفتاح الخروج من سجن وقيود المفاهيم، فقط تأمل في الطبيعة ودع وعيك بالكون والأشياء من حولك يعرفك بكل شيء.