أظهرت اكتشافات أثرية حديثة في أربعة مواقع في المنطقة الشرقية حضارات تعود إلى أكثر من 7000 سنة كانت تعيش في هذه المنطقة. وأكدت هذه الاكتشافات، التي تمت من خلال فرق سعودية ودولية متخصصة بإشراف الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني آثار الاستيطان البشري في المنطقة الشرقية أكثر وضوحاً منها في أي جزء من المملكة. والسبب في ذلك يرجع إلى عدة عوامل أهمها الموقع الجغرافي بالإضافة إلى إشرافها على جزء كبير من ساحل الخليج العربي الأمر الذي جعلها تقدم دوراً مهماً في الاتصالات البشرية التجارية بين شعوب تلك الحضارات منذ أكثر من 5 آلاف سنة. وبينت المسوحات الأثرية التي أجريت حتى الآن أن هناك أكثر من 300 موقع أثري في المنطقة تمثل فترات مختلفة يتراوح تاريخها من العصور الحجرية حتى العصور الإسلامية، وهناك عديد من المعالم التاريخية التي تعود إلى فترات إسلامية متأخرة وتبرز التطور الحضاري، وتعد مثالاً لتطور العمارة التقليدية للمنطقة. قرية أثرية في الراكة ففي ضاحية الراكة كانت الهيئة قد أعلنت عن اكتشاف قرية أثرية تعود لفترة صدر الإسلام تتكون من مجموع منازل يقدر عددها حتى الآن ب 20 منزلاً، وتحوي غرفا وحدات سكنية قائمة عثر فيها على قطع من الفخار والخزف والزجاج والحجر الصابوني والقطع المعدنية التي يمكن إرجاعها للقرنين الأول والثاني الهجري. وتقع حفرية شمال الراكة بالخبر في المنطقة ما بين مدينتي الخبروالدمام، شمال الخط السريع وجنوب مصنع سافكو للأسمدة سابقاً، وتبعد عن ساحل الخليج حوالي 1كم جنوباً. ويمثل الموقع فترة سكنى واستيطان واحدة تعود لفترة صدر الإسلام والعصر الأموي وربما بداية العصر العباسي وذلك من خلال قراءة قطع الفخار والخزف والزجاج والحجر الصابوني والقطع المعدنية التي يمكن إرجاعها للقرنين الأول والثاني الهجري، كما أمكن أيضاً تمييز مرحلتين معماريتين بالموقع مرحلة أولى تعود إلى بداية سكنى الموقع، يمكن تأريخها بفترة القرن الأول الهجري. ومرحلة ثانية أدخلت فيها تعديلات على التصميم الأصلي للوحدات السكنية وتعديلات في المدخل وإضافات لبعض المرافق ورفع لمستوى الأرضيات القديمة، ويمكن نسبة هذه المرحلة إلى نهاية القرن الأول وفترة القرن الثاني الهجري. الجدير بالذكر أنه تم التقاط عدد من نوى التمر وكمية من حبات التمر بعضها مكتمل أخذت منها عينه للتحليل بالكربون 14، كما عثر بالموقع على كميات كبيرة من القواقع والمحار وعظام الأسماك التي يبدو أن سكان الموقع كانوا يعتمدون عليها بالإضافة إلى التمر في غذائهم. وأسفرت عملية الحفر حتى الآن عن اكتشاف قرية من فترة صدر الإسلام تتكون من مجموع منازل يقدر عددها حتى الآن ب 20 منزلاً، موزعة على ثلاث مجموعات متباعدة بعضها مترابط وبعضها الآخر منفصل. مدينة ثاج القديمة ومن أهم المواقع الأثرية في المنطقة الشرقية مدينة ثاج القديمة. وتقع ثاج على بعد حوالي 80 كم غربي مدينة الجبيل ، وهي اليوم قرية صغيرة على طرف السبخة المعروفة بسبخة ثاج. وكانت مدينة ثاج القديمة، محطة مهمة على طريق القوافل، ويحتوي الموقع على أطلال مدينة كاملة محاطة بأسوار، وقد كشفت نتائج التنقيبات الأولية بداخل جدران المدينة عن وجود خمسة مستويات رئيسة من الاستيطان البشري يعود تاريخها إلى الفترة ما بين 500-300 سنة قبل الميلاد. وثاج مدينة أثرية ذكرها المؤرخون والرحالة تقع في وادي المياه في الصمان، وهي موقع حضاري يشرف على الدرب التجاري المسمى بدرب الكنهري، كما توجد بها مدينة متكاملة الأسوار ترجع إلى أكثر من ألفي عام. وتنتشر بها الكسر الفخارية والمدافن التلالية المختلفة الأنماط، وتنتشر شواهد القبور في ثاج التي كتبت بالخط المسند إضافة إلى وجود الآبار والعيون القديمة جدا، وهي امتداد لحضارة دلمون الشهيرة التي تسيدت قبل نحو أربعة آلاف سنة في المنطقة. ومن المكتشفات الأثرية قطع فخارية وزجاجية وحلي وأدوات زينة وغيرها من المعثورات ويمكن إرجاع عصر بناء المدينة إلى الفترة الإغريقية المعروفة بالعصر السلوقي ويعود تاريخ هذا العصر إلى أوائل القرن الثالث قبل الميلاد. وتشغل ثاج مساحة من الأرض تقدر ب 20كم مربعا تقريباً إلاّ أن المنطقة التي تحتوي على مواقع أثرية تقدر بحوالي ب 4 كم مربعة. ومؤخرا تم اكتشاف كنز ثاج، حيث اسفرت التنقيبات عن اكتشاف رفاة فتاة تبدو ملكة ترقد على سرير من الخشب بدعائم برونزية على شكل تماثيل آدمية. وتضمن الاكتشاف قناعًا مذهبًا وثلاثة عقود ذهبية وأساور وخواتم وأزواج أقراط وكفًا ومجموعة كبيرة من الرقائق الذهبية وشرائط ذهبية رقيقة وأزرارًا ذهبية وكلها مصنوعة من الذهب الخالص. ويعكس هذا الاكتشاف جوانب ثقافية متعددة لحضارة " ثاج " المتأخرة ، أبرزها الجانب التقني المتمثل في صناعة المعادن النفيسة، والمرصعة بالأحجار الكريمة، وما تمتعت به تلك الحضارة من غنى وثراء. موقعا الدفي والمردومة بالجبيل كما تم اكتشاف موقعين أثريين في محافظة الجبيل الاول في "دفي" يعود للقرن الثالث قبل الميلاد والثاني في "مردومة" ويعود للقرن الهجري الأول. ويمثل موقع الدفي فترة مملكة الجرهاء التي سادت في شرق الجزيرة العربية قبل الإسلام، وكان الموقع مرفئاً أو ميناء لإحدى المدن الجرهائية وهي ثاج التي تعد من أبرز المدن القريبة آنذاك حيث تبعد 90 كم غرب مدينة الجبيل. أما موقع المردومة فيعود إلى القرن الأول الهجري فترة الدولة الأموية كبداية لتأسيس هذا الموقع ليستمر الاستيطان به حتى القرن الخامس الهجري أي قبل نهاية الدولة العباسية. واعتمد سكان هذه المستوطنة بدرجة أساسية على العمل في البحر بمختلف الأنشطة، حيث تم الكشف عن أدوات صغيرة لصيد الأسماك، وأدوات صنع الشباك، ومفالق المحار (الأصداف) وكمية كبيرة من المسامير التي تستخدم في صناعة وصيانة السفن، وكميات كبيرة من عظام الأسماك والحبار وغيره. ومن المؤكد أن حرفتي التجارة والصناعة من الحرف التي مارسها سكان هذه البلدة لوجود بعض المعادن الخام التي تم العثور عليها بالموقع. موقع الدوسرية وعثرت عليه البعثة الأثرية السعودية الألمانية في موقع الدوسرية بمحافظة الجبيل بالمنطقة الشرقية بالمنطقة الشرقية خلال عمليات التنقيب، على آثار حضارات عاشت منذ أكثر من (7000) سنة قبل الوقت الحاضر، مع استمرار العمل في الموقع خلال مواسم التنقيب المقبلة لكشف أسرار مستوطنة الرعاة والصيادين في الدوسرية. وعلى الرغم من أن منطقة الدوسرية الواقعة جنوب الخليج العربي في مدينة الجبيل، مغطاه حالياً بالكثبان الرملية، فإن بقايا الأحجار النارية والفخار والعظام والأصداف التي عثر عليها في الموقع تثبت وجود مستوطنات قديمة. وتؤكد عظام الحيوانات المكتشفة خلال الحفريات أن الناس في الدوسرية كانوا يربون الأغنام والماعز والأبقار المستأنسة، وكانوا يطاردون الغزلان والحيوانات البرية الأخرى. وتشير كميات عظام الأسماك الكبيرة في الموقع إلى استفادة ساكني تلك المستوطنات من الأسماك والثدييات البحرية بما في ذلك الأطوم والحيتان الصغيرة والمحار، حيث تتضمن المعثورات أكواماً من محار اللؤلؤ مدفونة في الطبقات الأرضية للموقع. وعثرت البعثة في الموقع على قطع أثرية مصنوعة من حجر الصوان، وأدوات حجرية مثل رؤوس سهام متكسرة وقطع فخارية تم إحضارها من جنوب بلاد ما بين النهرين (الجزء الجنوبي من العراق اليوم)، حيث تم إحضار آلاف الأطباق والأكواب والسلطانيات المزخرفة بشكل رائع إلى موقع الدوسرية، والعدد الكبير من المراكب المفتوحة بالموقع يوضح أنها لم تكن تستخدم للنقل فقط، وتؤكد ثروة ورخاء السكان في الدوسرية. وتوضح المعثورات أن الصيادين المتمرسين استخدموا القوارب للوصول إلى الساحل الجنوبي لبلاد ما بين النهرين لتبادل الفخار المزخرف وغيره من المنتجات الثمينة، كما تمكنوا من توفير كمية كبيرة من المنتجات الموجودة في الساحل الأوسط من منطقة الخليج خلال الألف الخامس قبل الميلاد مثل السمك المجفف والمحار والمنتجات الحيوانية المحلية. وعثرت البعثة في الموقع على لؤلؤ طبيعي (10 قطع)، تمثل أقدم ما تم اكتشافه من اللؤلؤ في المملكة العربية السعودية حتى الآن. وأسفرت نتائج الأعمال الأثرية به عن سبع طبقات تمثل عدد من المراحل الاستيطانية يرجع أقدمها إلى نهاية الألف السادس ق.م. والتي تنتمي إلى حضارة العبيد، وأحدثها إلى منتصف الألف الرابع ق.م. وتمثل جميعها المراحل التي مرت بالموقع من الترحال والصيد إلى الاستقرار. وتشير الأعمال الأثرية الحديثة بالموقع إلى وجود نشاط استيطاني كثيف استمر لفترات طويلة، مما يعكس الدور الذي لعبته المنطقة في عصور ما قبل التاريخ منذ العصر الحجري الحديث في الجزيرة العربية، والمتمثل في مدى تأقلم وتكيف الإنسان القديم مع البيئة المحلية في سبيل بقاءه وتطوير وسائله ومظاهره المعيشية، وهو يعود بشكل كبير على العوامل الاقتصادية لتلك المجتمعات وعلاقاتها الاجتماعية التي تمتد من جنوب وادي الرافدين حتى وسط الخليج العربي.