تنوعت الردود والكتابات حول موضوع السماح للسينما وحفلات الغناء في المملكة، وكل واحد أدلى بدلوه مابين مؤيد ومعارض، وأصبحنا بين نزاعات التيارات المتصارعة على النفوذ والبقاء، من خلال التمترس وعدم التنازل عن أي قول أو رأي، وهذا ما وسع دائرة الاختلاف والصراع في أغلب قضايانا الشائكة، وكأننا عدنا إلى مربع الصفر من جديد، وسوف أطرح وجهة نظري في هذا الموضوع ومناقشته من زاوية مختلفة جداً، فأقول: إننا لسنا بحاجة إلى حفلات أغان أو دور سينما، فالسينما موجودة ومع الأسف في كل منزل دون مقص الرقيب من خلال الأفلام التي تعرضها أغلب القنوات العربية والأجنبية، وكذلك ما ينطبق على السينما ينطبق على حفلات الغناء فهي موجودة معنا في منازلنا وجولاتنا ومركباتنا، فلماذا نُضيع الوقت في مناقشة مثل هذه المواضيع مناقشات عقيمة لن نخرج منها بشيء مفيد لنا؟ علماً بأن هذه المواضيع أصبحت من المواضيع التافهة وتعداها الزمن، إلا أن هناك من يربط وجود مظاهر حفلات الغناء والسينما من تطور العقول وأن لها تأثيرا في ذلك، وهذا صحيح إلى حد ما وهي نوع من التطور وفتح مجالات أوسع للترفيه، ولكن لماذا لا نناقش تطوير عقولنا إلى الأفضل؟ العقل البشري منحة كبيرة منحها الله للبشر كي يتفكروا ويتدبروا ويتبصروا، فعقول البشر متساوية في نسب الذكاء ماعدا القلة القليلة منهم الذين يتمتعون بنسبة ذكاء أكبر، ولا تكون السيادة إلا باختلاف معدلات الذكاء والتفكير، فالمجتمعات المتقدمة كانت قبل عقود قريبة من الزمن متساوية مع المجتمعات الأخرى في كل شيء، ولكن بعد اهتمامهم بتطوير العلوم وطريقة تدريسها والاستثمار في عقول الناس بشتى أنواع المعرفة اختلفوا كثيراً وأصبحوا في ركب مقدمة دول العالم. والسؤال هو: كيف يكون الاستثمار في العقول؟ عادة ما يكون أغلب البشر غير محب للتغير أو التطوير وتجده ينفر منه، خاصة إذا كان هذا التغيير جديداً عليه ولم يألفه من قبل، فتكون مقاومته للتغير شرسة جداً يقابلها مقاومة تصحيحية قوية تحاول تخطي الصعاب من خلال تلك المقاومة المضادة، والشواهد كثيرة في مجتمعنا من بدء تأسيس هذه الدولة، وهناك طرق كثيرة لاستثمار العقول بعضها يحتاج لوقت طويل مثل: تعزيز الوعي بين أفراد المجتمع، وهذا الأمر يحتاج إلى وقفات كثيرة وهو: ضرورة تعزيز الوعي وتثقيف المجتمع من النشء بأهمية المحافظة على مقدرات الوطن وأنها ملك للجميع كالاهتمام بالحدائق والمتنزهات والطرقات وعدم العبث بأي شيء يخص الوطن، كذلك احترام ثقافة السير كاملة وهذا جزء كبير يقاس عليه تقدم الأمم، غرس الإخلاص في العمل وفرض النظام وتطبيقه وعدم تجاوزه خاصة من قبل المسؤولين في المؤسسات الحكومية التي تقوم على خدمة المواطن، نشر الوعي بين الموظفين بأن الفساد آفة من الآفات التي يجب وأدها، أيضاً ترسيخ مفاهيم القبول والحوار بين أفراد المجتمع وهذا الأمر تختص به وزارة التعليم ومركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، فالوزارة عليها إعادة وهج المسرح والإذاعة المدرسية التي تساعد الطلبة على التواصل والحوار وفن الإلقاء، ومن المعروف الضعف الذي نشاهده في أولادنا أثناء حديثهم في أي منبر من المنابر الإعلامية فالثقة غير موجودة لديهم بسبب عدم تدريبهم وتشجيعهم على التحدث والحوار، فحري بوزارة التعليم إعادة النظر في هذا الشأن لما له من الأهمية البالغة في تشكل شخصية أولادنا، ولما لهذا الأمر من دور في التغيير إلى الأفضل. الاستثمار في العقول أمر بات مهماً من خلال ضخ البرامج الخاصة للتدريب والتطوير في كل مجال، فكلما تمكنا من تخصيص برامج تطويرية لجميع فئات المجتمع فإن ذلك سوف يغير ملامح كثيرة في بلادنا، أولادنا يدرسون جميع المراحل كمواد تلقين فقط وخلال هذه السنوات التعليمية لا يتلقى أي تعزيزات تطويرية قد تفيده في أمور حياته، فنحن مقصرون بحق أولادنا بعدم تثقيفهم وتطويرهم منذ نعومة أظفارهم، والشواهد كثيرة من اليابان وكوريا وسنغافورة وماليزيا وغيرها من الدول التي لحقت بركب التقدم الحضاري من خلال الاستثمار في العقول، كذلك هناك المؤسسات الإعلامية التي عليها دور كبير في تثقيفنا وتذكيرنا دوماً بما يجب علينا فعله، وكيفية احترام الأنظمة واحترام الآخرين بعدم مضايقتهم أو التنقيص من شأنهم، وهذا قلما نجده في إعلامنا المحلي أو الإقليمي. ختاماً، الاستثمار في العقول قد يتفق عليه الأغلبية المطلقة لما فيه منفعة خاصة وعامة، ونتمنى أن نشاهد تغيراً واضحاً في البرامج والآليات التي تسهم في تطوير عقولنا إلى الأفضل لتكون لدينا جاهزية إلى أي تحول جديد.