ولد غوتفريد لايبنتز (1646 – 1716) في مدينة ليبزغ الألمانية، وهو فيلسوف ألماني مثالي موضوعي، وهو أحد مخترعي حساب التفاضل، وكان جيولوجياً وبيولوجياً ومؤرخاً وسياسياً، كما أنه أول رئيس لأكاديمية برلين للعلوم. حرص لايبنتز على تحقيق التناغم والتركيب بين المادية الآلية عند ديكارت وهوبز من جهة والمذهب المدرسي المسيحي/الأرسطي. هذه إحدى سماته، الميل الدائم نحو الجمع والتوفيق. إذا تجاوزنا الدوائر الفلسفية المغلقة، كان العالم الأنكلو/ أمريكي لا يعرف كثيرا عن لايبنتز حتى كتب عنه برتراند راسل في 1900 أحد أوائل كتبه:A Critical Exposition of the Philosophy of Leibniz (عرض نقدي لفلسفة لايبنتز). مذهب لايبنتز يقوم أساساً على مناهضة التجريبية الحسية كمصدر المعرفة الكليّ، ويذهب إلى أن العقل يمكن أن يكون هذا المصدر، وأن النفس تمتلك منذ الأزل مبادئ المفاهيم التي توقظها الأشياء الخارجية. وإذا كان سبينوزا قد بنى مذهبه على هدم مذهب ديكارت القائل بالتفريق بين المادة والفكر والإله الذي يعتني بالإنسان ويهديه للحق، فذهب سبينوزا للقول بأن الإله – سبحانه وتعالى – والعالم شيء واحد، فإن لايبنتز جاء ليهدم مذهب سبينوزا وليرفض مذهب وحدة الوجود ويقرر التعددية pluralism حيث الحقائق الكونية التي لا نهاية لها. لايبنتز تعددي لكن ليس على طريقة الفلاسفة الذريين الذين يقولون بأن العالم مكوّن من ذرات مادية لا أكثر ولا أقل، وأن تلك الذرات تسير سيراً آلياً لا يقصد وجهة معينة. لذلك قال لايبنتز بنظرية الذرات الروحية غير المتناهية التي لا تنقسم، ويتألف منها العالم كله. في فرنسا، كان لايبنتز معروفاً، فهو صاحب مقولة: «ليس في الإمكان أبدع مما كان»، ولم يكن يعجبه ما يصدر عن الناس من اعتراض على الأقدار المحزنة ولا اتهام العالم بالشر والنقص، وهذا ما دفع فيلسوف فرنسا المشهور فولتيير إلى من السخرية منه برواية فلسفية أسماها Candide خلاصتها أن التجربة قد علمته أن هذا العالم هو أسوأ ما يمكن من العوالم، ولو كان فيه ذرة كمال كما يدعي لايبنتز لانمحى منه هذا البؤس الذي يُزهق آلافاً من النفوس الكسيرة. روايته تلك كانت كلها سخرية من تفاؤل لايبنتز. إلا أن لايبنتز لم يكن بالفجاجة التي ادعاها فولتيير، بل كان يعترف بوجود الشر الكثير، ولكنه لا يرى هذا هادماً لمذهبه، بل إن الشر نفسه دليل على صحته. الشر هو ما يظهر وجود الخير الذي في العالم والجمال الذي في الحياة، ومن دون الشر لن نعرفهما، ثم أن هذا الشر إنما ينبع من العالم المادي، وكل ذرة في الكون لها جانب إيجابي وآخر سلبي، وكل ذرة تسعى للتغلب على جانبها المادي السلبي لتصل إلى الكمال، وهكذا صار الشر وسيلة لوصول الخير إلى الكمال والسمو. عبارة «ليس في الإمكان أبدع مما كان» مستفزة ومدعاة للسخرية والغضب، بلا شك. فالعالم بحروبه ودماء الأطفال الأبرياء التي تراق بسبب السخف ونقص العقل، لا يبدو كاملا ولا جميلا. لكنه عالم تُرك ليكون مزرعة الإنسان التي سيبذر فيها جهده البشري الناقص، وهذا الجهد يمكن أن يكون سيراً نحو الكمال من خلال الصراع الدائم بين الخير والشر والحرب والسلام والعوز والاكتفاء، بل هو كذلك.