أغمضي عينيكِ يا نور عيني، الحياة حين تغمضين أزهى والفضاء أرحب، أغمضي عينيكِ لا تغرُّكِ الأنوار الساطعة ولا تبهركِ الأضواء المتلألئة فكل هذا الجمال مختلق. أغمضي عينيكِ يا نور عيني، مدي يديكِ، أرسلي أحلامكِ الوردية في فضاءات الكون، دعي أصابع قدميكِ تداعب سديم المجرات، هناك لا تخافي خيانة الدفء ولا غدر الجدران، أغمضي عينيكِ وردِّدي أهزوجة أمكِ وهدهديني بها، استنشقي رئتي ودعي نبضات قلبي تمزق صمت القبور من وجعكِ. هل قلت وجعك؟! نعم لعلي أقصد ما كان من وجعكِ الذي لملمة بقايا الخائنين بقاياه لتتاجر به. أغمضي عينيكِ يا نور عيني، وانظري إلى زاوية السماء، هل رأيتِ وجه أخيكِ الصغير؟ هناك حيث ارتعاشة النجوم من ابتسامة ثغره، هل لامستِ راحة يدكِ لهفة أمكِ؟ فما زال طيفها قابعاً في زوايا الذاكرة وخلف سويداء القلب، أغمضي عينيكِ، هل تريني الآن؟ أم نسيتِ تجاعيد السنين على وجهي وخطوط الأمل في راحة يدي؟! أغمضي عينيكِ يا نور عيني، وأزيحي عن كاهلكِ حزن الراحلين، وألقي عن عاتقكِ آلام النازحين عن آمالهم وأرواحهم، لن تتذوقي اليوم غربة الفرح ولا مرارة السكينة، أغمضي عينيكِ فبعد أن تغمضي لن يبقى للبراءة طفولة ولا للألعاب فرح في عالم يموج بعنصرية الحراب وعيون الذئاب وحقد الخناجر. أغمضي عينيكِ يا نور عيني، فبقدر حزني على إغماضكِ الذي سيطول وسيطول معه مكث الأمة في غيابة الجب وانحباسها في كهف الذل وبقاؤها في ربق العبودية، لكن أنتِ!! ما أنتِ!! أغمضي عينيكِ وحلقي في ملكوت الحرية والطهر، ورفرفي بجناحين أبيضين يطفئان جذوة العمى البشري الأسود الذي لم يعد يعترف إلا بسبابة القوي ولؤم الدعي، واتركي هذه المساحات البائسة لتيه ما تبقى من آلامنا لتراق فيه دماء آمالنا. أغمضي عينيك يا نور عيني، لم تعد جدتكِ هنا، مكينة خياطتها توقفت عن البكاء، فنجان قهوتها الذي تحتسيه كل صباح أصبح بلا لون، بلا ذوق، تفوح من جدران غرفتها رائحة الفراق، فراق أبديّ لا رجعة عنه، خرز مسبحتها ضاع عطره في الطريق الطويل بين العين والقلب، بين الماء والسراب، بين قميص يوسف الغارق بدمٍ كذبٍ وقميصه المقدود بفعلٍ كذبٍ. أغمضي عينيك يا نور عيني، لا تغني (نسّم علينا الهوى من مفرق الوادي) فما ثَمَّ مفرق بل ما ثَمَّ وادٍ، إلا وادي الويل الذي أسلمنا له القريب ودفن بقايا إنسانيتنا فيه البعيد، وكنا نظن أنه سوف (ينسّم علينا الهوى) منه فإذا هي نسمات الجحيم ومقامع الحديد.