ديفيد هارتلي طبيب وفيلسوف مادي إنكليزي، عاش في القرن الثامن عشر، واشتهر بنظريته في تداعي الأفكار بوصفه نتيجة مباشرة لذبذبات عصبية دقيقة. شرح هذه النظرية في كتابه (Observations on Man، his Frame، his Duty، and his Expectations) (ملاحظات حول الإنسان، بنيته وواجبه وآماله). فكرة هذا الكتاب أن الأشياء المحيطة بنا تمارس تأثيراً كبيراً على حواسنا الخمس. كيف يحدث هذا التأثير؟ رؤيتنا وسماعنا وشمنا وإحساسنا وتذوقنا للأشياء يثير ذبذبات لجزيئات مادية لا متناهية في الصغر داخل الدماغ. هذه الذبذبات تنتقل من جزيء إلى الجزيء الذي يليه عن طريق الأثير وتشكل سبباً مباشراً للأحاسيس. هذا التعاقب لنظام الأحاسيس يعكس تعاقب ونظام الحوافز الخارجية المسببة للذبذبات. ما معنى هذا الكلام؟ معناه أن هارتلي يزعم أن للأفكار أصلٌ مادي. لكنه لا يقول بالتماهي بين الذبذبات الآلية الميكانيكية والأفكار نفسها، بل يفصل بينهما. الأفكار روحانية والذبذبات جسمانية. هذا النوع من المادية الذي تبناه هارتلي يسمى (المادية الميكانيكية) ومادية هارتلي ليست محضة كعادة متطرفي الفكر المادي، بل كانت تحتوي على بُعد إيماني عميق. بطبيعة الحال، ألبرت آينشتاين لا يوافق على قضية نقل الذبذبات عبر الأثير، فهو لا يؤمن بوجود الأثير أصلاً. لكنه لا يبدو متعارضاً مع مذهب هارتلي بالمطلق، بل يوافقه في جوانب عديدة، في ثنايا كلامه على أن ليس في الكون صدفة، وأن كل شيء يخضع لنظام إلهي دقيق. لو أردنا أن نطبق هذه النظرية على حياتنا العادية، فإن نتائجها في غاية الخطورة والأهمية. نحن نفهم الخصيصة الاهتزازية للصوت، فالذي يستمع لموسيقى صاخبة سيشعر حتماً بالطبيعة الاهتزازية للصوت بشكل واضح ظاهر. هذا معناه أن كل صوت نسمعه، فإننا نترجم الاهتزاز فيه إلى صوت نسمعه. ما نسمعه فعلا هو ترجمتنا لذلك الاهتزاز، إنه تفسيرنا الخاص وترجمتنا للاهتزاز. هذا ينطبق على كل حواسنا السمع والبصر والتذوق والشم واللمس التي تستقبل كل ما في هذا العالم المتذبذب المهتز دائماً. وحواسنا فقط تقوم بالاستقبال والترجمة. نحن نعيش في كون نابض متذبذب ونحن نتذبذب معه ونتناغم معه. إن عواطفنا ومشاعرنا هي الأكثر قوة وأهمية في تفسيرنا لتلك الاهتزازات المادية. إن عواطفنا ومشاعرنا تمثل عملية رجع صدى مستمرة حول توافق أفكارنا الحالية المكونة من الاهتزازات والتذبذبات. عالمنا المادي يتذبذب وعالمنا الروحي يتذبذب كذلك. ولا يوجد شيء يخرج عن الطبيعة الاهتزازية. وإن كنا أذكياء بما فيه الكفاية، فسنقوم ببناء جسر بين عالمينا المادي والروحي بدلا من صنع الفروقات والاختلاف والتضاد والتصادم. هل يجب على الإنسان البسيط أن يفهم الطبيعة الفيزيائية لهذه القضية؟ الصحيح أنه ليس ضرورياً أن تفهم العصب البصري وطبيعة عمل الشبكة البصرية لكي تبصر الأشياء. ليس ضرورياً أن تفهم العملية المعقدة لدورة الكهرباء لكي تستمتع بالنور في بيتك. كذلك، ليس ضرورياً أن تفهم عملية التذبذب الكوني لتعرف قيمة الانسجام وضرر الاختلاف.