ما انتشر خلال أيام الانتخابات الأمريكية من أخبار مزيفة يقال إنها أثّرت كثيراً في آراء الشعب الأمريكي بالتالي أثرت على نتائج الانتخابات الرئاسية، وتأثير دور العملاقين فيسبوك وقوقل يجعلهما متهمين في هذا العمل غير المهني ولا الأخلاقي، لكنه زمن الفضاءات المفتوحة، الإعلام والإنترنت مساحة للجميع، لا يمكن حكره ولا تضييقه ولا يجب! ففي فضاء وإنترنت لا حدود له، أصبح من الممكن لأي شخص في خلال دقائق معدودة أن ينشئ موقعاً إخباريّاً وينشر عليه أخباراً زائفة، ومن خلال خدمات الإعلانات في قوقل يستطيع أن يعرض الإعلانات عليه، ومن خلال فيسبوك سيتناقل الأفراد الأخبار المزيفة التي غالباً ستكون مثيرة، بالتالي سيتدفق الجمهور إلى هذا الموقع وبعده سيتدفق المال لصاحبه! ربما هذه الحادثة ليست نموذجاً جيداً للحريات والانفتاح، لكنها تعكس ذلك بتجلٍّ، ساحة الإعلام هي دائماً ل «الخبطة» الأقوى والقصة التي تحدث ضجة أكبر، هناك قيمة للمثير والمختلف دائماً، لأن مع كل ذلك سيتدفق الجمهور ومن ثم المال، هكذا يعمل هذا الوسط وهذا أسلوبه، له قوانينه ومعطياته بالتالي مخرجاته، لكن تبقى هناك مساحات مهمة يجب أن لا تهمش، أهمها أخلاقيات الإعلام والعاملين فيه مؤسسات وأفراد، المتلقي وقوة وعيه الذاتي، وعقله الذي يجب أن لا يمرر كل شيء الذي يجب أن ينقد ويميز الزائف من الحقيقي ولا ينجرف خلف كل خبر ولا يتفاعل مع كل قصة، ولا يأخذه الفضول دافعاً ومبرراً للتفاعل، والأهم وفي الأخير يأتي القانون الذي يحمي ويحفظ الحدود في حال انتهكت! على الجهة الأخرى من الكرة الأرضية، هناك من يعتقد أن صورة تُنشر على حساب إخباري في تويتر هي محاولة استهداف متصهينة، وأن خبراً بسيطاً سيهشم مجتمعاً وينشر الرذيلة، حادثة عرضية هي لغرض تشويه وطن كامل، فيديو لمراهق يعرض أفكاره بسذاجة هي نتيجة حملة إعلام موجه يدار من قبل عصابة قُطاع طرق، تستهدفنا في كل قصة، لأن هناك مؤمرات تحاك ضدنا، فنحن دائماً ضحايا، والحقيقة أننا ضحايا أنفسنا قبل أن يستهدفنا أي أحد! لأننا نحن مَن همّش الوعي الفردي، وعززنا الفكر الجمعي، فأصبحنا مجتمعاً هشّاً جدّاً يخاف الفكرة والكلمة والصورة، ونعتقد أن صفحاتنا بيضاء لم تتسخ، لكن الحقيقة أننا جزء من العالم، وربما سيكون لنا صفحات في التاريخ إن نحن انشغلنا ببناء أنفسنا ومن ثم صنعنا حضارة، وساهمنا في إثراء البشرية، وآمنا بأننا شركاء مع الآخر والعالم أجمع بكل أطيافه في هذا الكوكب الذي يأخذنا جميعاً في رحلة مسبقة الدفع إلى الجحيم!