إن الأديان السماوية قاطبة ما أتت إلا لتكون رحمة لمن أُرسلت إليهم، وهم عباد الله. ولكن -مع الأسف الشديد- إن الذين يدعون إلى دين الله سواء من أهل هذه الديانة أو تلك يخوفون الناس من الله! وكأن الله تعالى ليس لديه رحمة سبقت غضبه، وأن رحمته هذه وسعت كل شيء. ولكن مع هذا وذاك إن الدعاة والوعاظ يُقنطون الناس من رحمة الله. إني في هذا المقال المتواضع شكلاً ومضموناً سأتكلم عن الدعاة والوعاظ المسلمين الذين نذروا أنفسهم لإرشاد الناس وحثهم على سبل النجاة من عذاب الله. أيها السيدات والسادة، إني ألحظ أن دعاتنا يسلكون سبلاً في دعوة الناس إلى عبادة الله، وهذه السبل هي سبل ليست من دين الله في شيء. بادئ ذي بدء، إنه ليتملكني العجب حينما أسمع خطيب الجمعة أو الداعية أو الواعظ يُذكر عباد الله بعقابه الشديد لأولئك الناس الذين هم في حضرة الله وفي بيت من بيوت الله يتلون آياته وهم رُكع وسُجد يبتغون وجه الله. إن مثل هؤلاء الناس الذين هذا شأنهم فإن تلك الآيات والأحاديث التي تتكلم عن عقاب الله ويصبها الخطيب في آذانهم ويذكرهم بقوارع الله، فإن مثل هذه الآيات التي يصبها الإمام أو الخطيب أو الداعي ليست بأي حال موجهة لمثل هؤلاء! ولكن هؤلاء الدعاة والوعاظ وخطباء الجمعة لا يعرفون من كتاب الله إلا مثل هذه الآيات التي تتحدث عن وعيد الله للذين يشركون به أو يمارسون عملاً يوجب سخط الله عليهم. إن الدعاة والوعاظ وخطباء الجمعة -هداهم الله- لاقتفاء طريق الحق يُنفِّرون الناس عن عبادة الله ويقنطونهم من رحمته! وكأن الدين الإسلامي ما أتى إلا ليكون وسيلة لتعذيب الناس وسخط الله عليهم! أيها السيدات والسادة، إن دين الله الذي أنزله على رسله -لاسيما على رسول الهدى محمد صلى الله صلى الله عليه وسلم- ما أتى إلا ليكون رحمة للعالمين، أليس الله تعالى يقول في وحيه الطاهر (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)؟ ولكن -مع الأسف الشديد- إن من يقوم بتبليغ هذا الدين لم يعرف قصد الله وبغيته من دينه.. إن غاية الله من دينه الذي أرسل به رسوله هي ليكون طوق نجاة لمن اقتفى أثر هذا الدين. وأن هناك جزاء رتَّبه الله للذين قالوا ربنا الله. إن رحمة الله واسعة، لا أحد كائناً من كان يستطيع أن يحدها أو يضيقها، فالله غفور رحيم. إنه مما يندى له الجبين أحياناً أنك تصلي خلف إمام ومن ورائه المصلون الذين يلهجون بذكر الله وهم سجد ركع وإذا بهذا الإمام أو ذاك يذهب يكرر آيات العذاب والعقاب التي لم تأتِ لمثل هؤلاء الذين يعبدون الله آناء الليل وكل النهار، وإنما أتت مثل هذه الآيات للذين يكفرون بآيات الله جملة وتفصيلاً. أيها السيدات والسادة، إن الدين الإسلامي يجب على من يتصدى لنشره في أرجاء المعمورة أن يفهم دين الله فهماً يفضي به إلى غاية الله ومقاصده من دينه.. وهذا لن يتأتى إلا بالوقوف الطويل عند نصوص شرع الله تدبراً وتمحيصاً. إن الذي لا يعرف دين الله يجب عليه أن ينأى بنفسه حتى لا يسيء إلى فهم هذا الدين ومن ثم يُزهِد الناس فيه. إن الحيرة لتأخذني بمجامعي حين أصلي خلف إمام يملك شهادة جامعية في تخصص شرعي وإذا به يقنط الناس ويهول عليهم عقاب الله، فيذهب يكرر على المصلين آيات العذاب. إن مثل هذا السلوك ينمُّ عن عدم فهم هذا الدين القويم. أيها الدعاة وأيها الوعاظ، إن دين الله ما أتى به الله إلا ليدل الناس على سبيل النجاة، ومن سلك سبيل النجاة فله الجزاء الأوفى إذا كان الإنسان أتى إلى المسجد وعرف طريقه فهذا دليل على خيرية هذا الإنسان، فهو إنسان يتوق ويريد أن يسمع ما أعد الله له من جزاء وثواب، ولكن هذا الإنسان إذ به يفاجأ بأن إمام المصلين يصب في آذانهم قوارع الله التي هي لمن حاد عن الصراط. أيها السيدات والسادة، إني أعلق آمالاً عريضة على المسؤولين عن الدعاة والوعاظ وأئمة المساجد أن يبيِّنوا للناس مدى رحمة الله الواسعة، وأن الإنسان إن شاء الله لا خوف عليه وهو مسلم وموحد يرجو ثواب الله. إن دين الله تعالى رحيم حتى بالعصاة الذين مازالوا في حضرته فما بالكم أيها السيدات والسادة بعباد الله الخلَّص! أليس لهم الأمن والأمان والرحمة من الله؟! أعتقد أن جوابكم بالإثبات القاطع، والله يحفظ الجميع.