ربما يتفق معي الأغلبية الساحقة من أولياء أمور الطلبة والطالبات على النظرة السلبية تجاه المقصف المدرسي، وما يقدم من وجبات شبه معدومة غذائياً وذوقياً؛ فالبيئة المدرسية يُفترض أن تكون بيئة مثالية (تعليمياً وتربوياً وصحياً) وتحت إشراف وزارة الصحة والوحدة الصحية التابعة للتعليم، ومع الأسف الوضع لم يتغير كثيراً، بل كان في الماضي أكثر قيمة غذائية. غياب مشروع الغذاء الصحي في مدارس أبنائنا سيكلف الدولة مستقبلاً أموالاً باهظة لعلاج جيل من المرضى والمتعبين، فلا يمكن بناء رجال أقوياء إلا بغذاء قوي ومفيد، ولا ننكر أن هناك من يسعى لتطوير آلية المقاصف والاجتهاد لطرح بدائل ولكن تبقى حبيسة الأدراج. في المقابل التعاقد مع المطاعم غالبا يكون تحت بنود ربحية بحتة دون المراعاة لما يباع. غير مدركين نوعية الغذاء وكيف يصل الغذاء ومن يعد هذا الغذاء ومن المستفيد والمتضرر في النهاية. تعد وجبة الصباح من أهم الوجبات اليومية لبناء شخصية الأبناء جسدياً وذهنياً، ويقع على عاتق الأسرة تقديم وجبة متكاملة كفيلة بمدهم بطاقة طوال النهار وعدم الاكتفاء بالمقصف المدرسي الذي يراه بعض الأشخاص وجبة وقتية سريعاً ما تنتهي فائدتها، وبالتالي فمن المهم أن تحتوي الوجبة على الحليب والبيض والأجبان والفاكهة التي يفضل أن تكون مصاحبة له داخل المدرسة لحاجة الأبناء للسكر الطبيعي والمفيد بعد مشوار حافل من الحركة والتركيز الذهني أثناء شرح الدروس وحل الواجبات والمتابعة التي تمتد من الحصة الأولى وحتى السابعة، ومن الطبيعي أن كمية هذا الغذاء البسيط سرعان ما تذوب في جسم الإنسان. تكمن أهمية الفطور الصباحي في إعطاء الهدوء النفسي والمزاجي واستقرار مستوى السكر والتحكم في الوزن، وتشير الدراسات العلمية إلى أن الأطفال الذين يحصلون على وجبة إفطار صحّيّة يكون تحصيلهم العلميُّ أفضل من الأطفال الذين لا يتناولونها. وجبةُ الإفطار تحسّن من عملية التمثيل الغذائيّ، وبالتالي صحّة أفضل، ونشاط أكبر. نوعية الغذاء الذي يباع في المقاصف الدراسية في الأعم الأغلب سيئة جداً لا تنسجم مع البيئة المدرسية السليمة التي يُفترض ألا تفصل بين غذاء الروح والجسد، وماذا يباع هناك غير الشيبس المشبع بالدهون والبسكويت المنتهي بعد أيام قليلة والفلافل والزعتر واللبنة المعد قبل فترة طويلة والعصير المليء بالسكر وبأرخص الأسعار والكاكاو الذي اسمه كاكاو؟!، هي جملة من الوجبات لا تبني جسماً صحياً أبداً بل تسهم في تدهور وضعهم الصحي؛ لذا تقع على الأم مسؤولية كبرى من خلال تقديم وجبة بديلة لهذه الوجبة أو على الأقل مرادفة لها. الربح في المقاصف المدرسية مضاعف، وليتها صحية، ونحن نتفهم أن المدرسة دعمها بمختلف برامجها غالباً يأتي من المبيعات دون مراعاة الوضع الاقتصادي للطلبة والطالبات، نعم هناك نماذج من المدارس لديها برامج ميسرة للطلاب المحتاجين بأسعار رمزية، وهناك بيئات مدرسية صحية ولكنها قليلة مقارنة بالأكثرية. نسبية الربح حق مشروع للمدرسة حين تقدم وجبة تحمل قيمة غذائية، ماعدا ذلك فهي خيانة. وبالتالي فمن المهم تقديم بعض الأطروحات والتوجيهات لتطوير خارطة المقصف المدرسي منها: تقديم وجبات صحية ومفيدة قليلة الدهون. التعاون مع وزارة الصحة في رسم خريطة للغذاء الصحي. فتح قاعة للطعام على غرار الجامعات والمعاهد. تعيين مشرف صحي داخل المدرسة مهمته مراقبة ما يباع. فتح قنوات اتصال مباشرة من الأسر المنتجة والتعاقد معها. التعاون مع مجموعة من الطلبة والطالبات لبيع منتجات منزلية صحية. عدم وضع العمالة الوافدة في المقاصف، والبديل طلبة متعاونون أو معلمون. وضع جهاز بيع لفاتورة المشتريات، فكم من طالب اشترى ب 4 ريالات، أُخذ منه 10 ريالات. التنسيق مع شركات الألبان والحليب بوضع نقاط بيع داخل كل مدرسة. التعاون مع بعض المطاعم الكبرى بتقديم وجبات بأسعار رمزية مقابل حملة إعلامية عبر إدارة التعليم. أهمية تخصيص للمقصف المدرسي مساحة كبرى من قبل المشرفين على مشاريع البناء. يرى الدكتور محمد العمري -رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للغذاء والتغذية أستاذ الغذاء والتغذية في جامعة الملك سعود- أن أهم المعايير التي يجب أن تتوفر في الوجبة المقدمة لابد أن تكون بالدرجة الأولى متوازنة ومتنوعة بشكل يومي، وتحتوي على العناصر الغذائية اللازمة التي يحتاجها الطالب أو الطالبة في هذه المرحلة البنائية من مراحل النمو، بحيث تشمل على الأقل أياً من مشتقات الحليب والخضراوات والفاكهة والحبوب الكاملة. وتحقيقاً لرؤية 2030 جاءت قرارات وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى مواكبة لرؤية المملكة ولرسالة التعليم، وداعمة لمسيرته، وبناء جيل متعلم قادر على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات مستقبلا، بتوجيه إدارات التعليم في المناطق والمحافظات بتنفيذ تجربة المرحلة الثانية لتشغيل المقاصف المدرسية عن طريق الأسر المنتجة «أُسر» في العام الدراسي المقبل 1438/1439ه بما لا يتجاوز 10% من إجمالي عدد المقاصف المدرسية في كل إدارة تعليمية. وتهدف وزارة التعليم من مشروع تشغيل المقاصف المدرسية عن طريق الأسر المنتجة إلى خلق فرص عمل للمواطنين بتمكينهم من الاستثمار في مجال المقاصف المدرسية من خلال تشغيلها أو تسويق منتجاتهم؛ لتكون منافذ بيع دائمة بما لا يتعارض مع الجودة في تقديم خدمات التغذية المدرسية، ويتفق مع الاشتراطات الصحية المعتمدة في المقاصف المدرسية. وإصدار معالي الوزير الدكتور أحمد العيسى تعميماً إلى إدارات التعليم في المناطق والمحافظات بالتأكيد على المدارس الأهلية والأجنبية الاستفادة من خدمات خريجي التربية الخاصة. وهي كفيلة بتحقيق تغير على مستوى البيئات المدرسية. ويتطلع المجتمع لتحقيق تلك الرؤية المباركة.