بدأت بروفات مسرحية «رشة سكر»، وبدأ السباق مع الزمن بحثاً عن موهوبات حقيقيات يدركن الرسالة السامية للمسرح الذي يمزج المتعة بالفائدة، وتوافدت علينا الراغبات في خوض التجربة المسرحية، وخُيِّل إلينا أننا في برنامج «آراب أيدول»، نختار منهن مَنْ تصعد على المنصة. في تلك الأثناء تقدمت سيدة ثلاثينية ممتلئة بيضاء، تحمل شهادة جامعية، مع طفلتين صغيرتين، وآخر تحمله في يدها، وقالت لي: أنا عاشقة لهذا العمل الذي تقومون به، وأرغب في المشاركة مع ابنتي هاتين، وأشارت إليهما. كان واضحاً أنها لن تستطيع تقمُّص دور «المتشرد الأسمراني» النحيف المصاب بالسكر، وهو الذي طلبنا لأجله قناعاً من أمريكا! وحتى لو لبست القناع، كيف سيمكنها أن تتسلل على أطراف أصابعها، على فرض أننا طلبنا منها ذلك؟! لا يمكن. سحبتها من يدها، وركبنا سيارة «أوبر»، وطلبت من السائق أن يأخذنا إلى الحي التراثي في حديقة الملك فهد، وما هي إلا دقائق حتى كنا في الحديقة، وفي المدخل دفعنا رسوم دخول الأكشاك، وركبنا قطاراً صغيراً نتأمل أكشاكاً بديعة منسقة ومصفوفة، انتظرت السيدة وهي تتأمل الأكشاك معي أن أشرح لها سر حضورنا إلى هنا إلا أن سيدة لطيفة مبتسمة أشارت من الداخل إلى كتيبات صغيرة عن المسرح، تصفحناها على عجل، ومن خلالها تعرَّفنا على تاريخ المسرح السعودي عامة، والمسرح النسائي خاصة، ثم قدمت لنا استمارة لكي نقوم بتعبئتها، وندفع رسوم العضوية ليتسنى لنا حضور فعاليات مسرح الظل والعرائس على المسرح الروماني، وكذلك ورش كتابة المسرح، والسنوغرافيا، و«الميك أب آرت»، والإخراج. بعد ذلك مررنا بكشك مكتوب عليه: كشك الأندية الثقافية، بين قوسين «التأليف، الخطابة، القراءة»، سألَنا الموظف إن كنا نرغب في النشر، أم في التسجيل في أحد أندية القراءة؟ وعرض علينا عدداً من أسماء أندية الأحياء، وأبلغنا بإمكانية التسجيل مجاناً في النادي الذي يروق لنا. كنت سعيدة جداً لأنني وجدت «نادي لؤلؤات طيبة للتوستماستر» الذي قمت بتأسيسه مدوناً في لائحة أندية الخطابة، وشعرت بقلبي يخفق بسعادة بينما كنا نتجه إلى الكشك الثالث الذي كُتِبَ عليه: «الفنون التشكيلية: الرسم الرقمي، التصميم الرقمي، الإنفوجرافيك، التايبوجراف، الأنيمشن، الموشن جرافيك». كان الكشك مزداناً بلوحات كبار رسامي المدينةالمنورة، وأكثر ما لفت انتباهي هو لوحات فناني المدينة محمد سيام، رحمه الله، هدى الطيب، رحمها الله، فريد سلامة، رحمه الله، وهاشم نجدي، رحمه الله. يا الله! رحمهم الله جميعاً. «طفرت» دمعة من عيني، فرآها الموظف الذي أخبرني بأن هناك ترتيبات لإطلاق أسماء أولئك الفنانين المبدعين على قاعات فنية في المدينة باعتبارهم رواد الفن في المدينة. ثم قادني إلى كشك آخر للفنون الإسلامية والخط العربي والزخرفة الإسلامية، ووجدت كتيبات عن «مرسم» الفنانة ابتسام باجبير، ولوحات جميلة بالخط العربي للفنانة عواطف المالكي. عندما وصلنا إلى الكشك السابع وجدناه قسماً مستحدثاً عن فن العمارة والديكور الداخلي، وفيه كثير من كتب المهندس الدكتور عبدالعزيز الكعكي، صاحب متحف دار المدينة. شعرت بالتعب من التجوال، وهممت بالجلوس لولا أن السيدة الجميلة «شهقت»، وسحبتني من عباءتي نحو كشك الأعمال اليدوية، وأخذت تتأمل الكتيبات الصغيرة في فن التطريز، المكياج، الحياكة، المجوهرات، الفسيفساء، النحت، والخزف. تركتها تتأمل قطع الفسيفساء، وفي الحقيقة لم أكن أتوقع أننا نتقن تلك الصناعات، وأخذت أتبادل الحديث مع رجل الأمن الشاب الواقف هناك: أخبرني ما سر تلك الأكشاك؟ رد عليَّ هامساً: يا سيدتي «تفتكري» جمعية الثقافة والنادي الأدبي؟ فضربت على جبيني أحاول أن أتذكر: «همَّه لسه عايشين»؟ ابتسم ورد عليَّ: «عايشين» وهما بخير… تلك الأكشاك التي هناك تمثل الجمعية والنادي في ثوبهما الجديد حتى لا يتحجج الفنانون والفنانات و«يتبلوا» بأنهم لم يسمعوا بهما من قبل. دعكت عيني وإذا بي أفتحهما على المسرح والسكاكر تناديني: «مس وفاء أنتِ فين»؟