تكشف لنا المواقف والأحداث يوماً بعد الآخر كم نحن نعاني من «السطحية» في تعاملاتنا وشخصياتنا ومعظم تفاصيل حياتنا، فبمجرد أن يقع أحدهم في خطأ على الملأ نمسك به جميعاً بأنياب النقد الساخر، و «الطقطقة» اللامنطقية ويستمر ذلك حتى يتلاشى الحدث من الأذهان بفضل الوقت. من الجميل أن نكون شعباً متنبهاً يقظاً لما يدور حوله لديه حس النقد والتذوق ومعرفة الجيد من السيء لكن ماذا إن تعدى الأمر «النقد البنَّاء» والتذوق المحايد إلى مجرد الطقطقة وملء فراغ التقنية بشيء ما لمدة ما. ردود الفعل الساخرة على قصيدة الشاعر حيدر العبدالله التي ألقاها أمام الملك كانت تبرهن على مدى تعمقنا في التفاصيل التي لا أهمية لها بعيداً عن أي مضمون قد يغطي على عيوب الخارج، يصل خبر عدم إجادة الشاعر لإلقاء قصيدة إلى الترند المحلي في تويتر والأكثر مشاهدة في يوتيوب والأكثر تعرضاً لتركيب النكات والتعليقات الساخرة لمجرد مخالفته لصورة ذهنية ما عن الإلقاء الحماسي الوطني التي اعتدناها. وقد أثبت مختصون أن القصيدة كمعنى وشاعرية ومفردات لا غبار عليها وكان العيب الوحيد هو الإخفاق في الإلقاء، ومع ذلك ظل الشعب السعودي متمسكاً بالنقد اللاذع والتهكم وتركيب الطرائف حول تلك القصيدة وحول الشاعر، ومنهم من أنحى الأمر لأسباب مذهبية خارج نطاق السخرية وحدها. يعيدنا هذا الموقف إلى كثير من المواقف المشابهة حول خطأ مسؤول في تصريح ما وخلافه والتي تكبر ردود الفعل الساخرة حولها حتى يطفئها الوقت، فكم هو سيء حظه من وقع في مأزق الخطأ العلني وسط مجتمع لا يعرف من النقد إلا السخرية والسطحية.