في بدايات دراستي الجامعيّة، عملت كمرشدة تعليمية في مخيّم صيفي لأطفال الطّبقة المخملية «جدّا» في العاصمة الرّياض. كانت رئيسة المخيّم في حيّ السّفارات من جنسية أوروبيّة، ومعها تنبّهت لمسلك المزايدات الّذي ينتهجه بعض الأجانب العاملين في مملكتنا، ولخوفهم من الوقوع في المحظور المقدّس أو المساس بالعادات والتقاليد المحلّية. كان مزمعا التّحضير لمسرحية ستقام في نهاية المخيم يفترض أن ندرّب الأطفال عليها. وفحوى المسرحيّة هو «السّفرة الرّمضانيّة» وتعريف الأطفال على أشهر الأطباق المحليّة، وجماليات معاني التحلّق الأسري حولها في الشّهر الفضيل.. فوجئت بأنّها قامت بإلغائها! ولم تقبل منّي حتى نقاشا وأصّرت على رفضها بدعوى أن السيناريو يتضمن سفرة عامرة بالمأكولات في نهار رمضان. حاولت أن أفهمها بأن الموضوع تمثيل في تمثيل. وأنّ الأطفال في سن الثّالثة والرّابعة لا صيام عليهم في الأساس! وإن اشتهى أحدهم أحبّة قلبي التهام قطعة تمر، فلا جناح عليه يا ابنة بني الأصفر!! رفضت بصرامة طبعا، وطلبت منّي أن أسرع بإيجاد سيناريو آخر أدرب الأطفال عليه ليكونوا على جهوزية بعد 3 أيام فقط لتقديم عرض جديد. 3 أيّام.. تعرفون ماذا يعني تدريب تلك المخلوقات الصّغيرة على مسرحية خلال 3 أيام فقط؟ يعني المستحيل بذاته، يعني الإخفاق المحتوم.. فكّرت وفكّرت وأنا أبرد أظافري.. بأنّ هذه الحياة فعلا غابة.. فطلبت منهم بأن يجهّزوا لي المسرح بأكبر عدد ممكن من الأشجار.. ولوّنت وجوه أطفالي على شكل قردة وأسود، وقمت بتشغيل موسيقى الأدغال لهم من كارتون «Lion King» وطلبت منهم أن يلعبوا ويتصيدوا بعضهم بعضاً وحين تنتهي الموسيقى ينحنون للأمهات شكرا وتقديرا لحسن متابعتهن.. وسيل اللعنات بداخلي لا نهاية له على المزاودات الّتي تزيد واقعنا إرهاقا، ولينطلق الصّغار بحيويتهم المفرطة فيه يفعلون ما يشاءون.