تنتقد واشنطن سحب موسكو توقيعها على نظام «الجنائية الدولية»، لكنها لا تقبل في الوقت نفسه سلطة هذه المحكمة فيما يتعلق بحوادث وقعت في أفغانستان. واتهمت واشنطنموسكو بارتكاب أفعالٍ «غير مقبولة» في «انتهاكٍ للقانون الدولي» في سوريا. لكنها رفضت الأسبوع الفائت ما كشفت عنه المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، من نتائج أوَّلية حول «جرائم حرب» محتملة في أفغانستان. وارتكب هذه الجرائم على ما يبدو جنودٌ أمريكيون وعناصر وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، بحسب النتائج. وعلى غرار روسيا؛ وقعت الولاياتالمتحدة في ال 17 من يوليو 1998 على «نظام روما» المؤسس للجنائية الدولية. لكن أياً من القوتين الكبيرتين لم يصادق على النص. وبعد عددٍ من الدول الإفريقية في الأسابيع الأخيرة؛ وجَّهت موسكو ضربةً إلى المحكمة بإعلانها سحب توقيعها على «نظام روما». وكانت واشنطن انتقدت قرار الدول الإفريقية جنوب إفريقيا وبوروندي وغامبيا، وشددت على دعمها تحقيقات المحكمة في «جرائم الحرب والإبادة». وكشفت وزارة الخارجية الأمريكية هذه الازدواجية مرة أخرى بانتقاداتها المبطَّنة لقرار روسيا. وأقر الناطق باسم الوزارة، ستيف كيربي، أن القرارات المتعلقة بالانضمام إلى الجنائية الدولية هي «بالتأكيد قرارات وطنية سيادية». واستدرك: «لكن ذلك لا يغير شيئاً في اعتبارنا أن المحكمة تؤمِّن إطاراً ثميناً، وإن لم نكن من الموقعين عليها». وانسحبت الولاياتالمتحدة من «نظام روما» في مايو 2002 في رسالةٍ وجهها جون بولتون، مساعد وزير الخارجية في عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش الإبن، إلى الأمين العام للأمم المتحدة. وكان بوش أطلق في أوج صعود المحافظين الجدد «حربه ضد الإرهاب» رداً على اعتداءات 11 سبتمبر 2001، أوَّلاً في أفغانستان في أكتوبر 2001، وثانياً في العراق في مارس 2003. وتحدثت بنسودا، الأسبوع الفائت، عن تحركات مشبوهة لعسكريين ورجال استخبارات أمريكيين في أفغانستان. وذكرت في تقريرٍ يستند إلى أبحاثٍ أوَّلية، وهي مرحلةٌ تسبق فتح تحقيق، أن القوات الأمريكية قد تكون ارتكبت جرائم حرب في الأراضي الأفغانية عبر تعذيب معتقلين بين عامي 2003 و2004. وأنهى باراك أوباما الذي تولَّى الرئاسة خلفاً لبوش في أواخر 2009 برنامج عمليات الاستجواب السرية للمعتقلين. واعترف في ديسمبر 2014 أن بلاده مارست «التعذيب»، وهو ما أثار صدمة. وبذلك؛ يمكن للجنائية الدولية امتلاك مقوِّمات اتهام ضد واشنطن، لكن تسليم الأخيرة عناصرها إلى القضاء الدولي أمر مستبعد. وصرَّحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إليزابيت ترودو: «نحن لا نعتقد أن إجراء المحكمة الجنائية الدولية بحثاً أو تحقيقاً في تصرفات العناصر الأمريكيين في أفغانستان أمر مبرر أو ملائم». وأشارت المتحدثة إلى وجود «نظام وطني متين للتحقيق والمساءلة ويعمل جيداً» في الولايات المحتدة، مذكِّرةً أن بلادها ليست طرفاً في نظام روما الأساسي ولم توافق على اختصاص الجنائية الدولية. وعلى الرغم من السعي إلى حلٍ دبلوماسي مع موسكو في سوريا؛ اتهمت واشنطن القوات الروسية بارتكاب جرائم حرب عبر قصف مدنيين ومستشفيات. وإجمالاً؛ فإن الجنائية الدولية هي الجهة التي يمكن أن تنظر في هذه الجرائم. وتعتقد إليزابيث إيفنسن من منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن «إعلان روسيا انسحابها من الجنائية الدولية لم يكن سبقاً» بالنسبة للمحكمة، مُذكِّرةً أن موسكو «لم تكن يوماً جزءاً» من هذه المنظومة. لكن إيفنسن رأت أن «القرار يكشف الألم الذي تسبِّبه روسيا لشعبها». في حين رأى المسؤول في المنظمة نفسها، فيليب بولوبيون، أن «عدم توقيع نظام روما لا يعني أن الولاياتالمتحدة تفعل الشيء نفسه الذي يفعله الروس في سوريا»، رداً على سؤالٍ عما إذا كانت واشنطن تتمتع بالمصداقية حين تدين روسيا.