بعد كل الشتائم المتبادلة بين الطرفين، وبعد كل دعاوى ترامب بأنه سيحاكم كلنتون أو يسجنها، انتهت حفلة الردح الأمريكي واتصلت هيلاري بترامب وهنأته بالفوز وعرضت عليه أن تعمل في إدارته الجديدة! هذا سيعيدني للقول من جديد: لا يكفي أن نعرف اللغة الإنجليزية لكي نفهم لغة الخطاب الأمريكية. إنها لغة تشارلز بيرس ووليام جايمس وجون ديوي، حيث المصلحة هي الحقيقة المطلقة الوحيدة. بالطبع ترامب لن يوافق على عرض هيلاري. وسنرى نحن كعرب أن هيلاري ليست سوى مرتزقة، ابتعلت خيانة زوجها مع مونيكا لوينسكي في 1998، لكي تبرز أمام الشعب الأمريكي في صورة المرأة التي صبرت من أجل مصلحة بيتها فيكثر المحبون والأصوات. هذا بلا شك، خدمها كثيراً عندما تم انتخابها عام 2000 كأول عضو أنثوي بمجلس شيوخ الدولة، ثم توالت النجاحات بفضل شخصيتها الجذابة ومستشاريها البراغماتيين. الحدث يخبرنا بكثير عن الانتخابات الأمريكية، فكل ما يقال في الانتخابات، لا علاقة له بما سيحدث في السنوات الأربع الفعلية التي سيحكم فيها الرئيس. بالأمس القريب وعد أوباما بوعود كثيرة (منها وعده بإغلاق غوانتانامو: مصنع إنتاج الدواعش) ولم يف منها بشيء يذكر، فتحولت منذ سنة حكمه الأولى آمال من علقوا عليه الآمال، إلى خيبة ثقيلة. وكل من ينتظر البطل المخلص سيحصل على نصيب من هذه الخيبة، وخصوصاً من يهلل لكل رئيس أمريكي جديد ويتوقع منه أن يحل مشكلات وقضايا منطقتنا العربية. ما يساعد الناس ليس البطل، بل مكر التاريخ بالمفهوم الهيجيلي، أي توافق المصالح، وسير الزعيم لمصلحة الناس دون أن يقصد ودون أن يتجاوز مصالحه الشخصية. رأيت عبر التلفزيون محللين عرباً يزعمون أن ترامب عدو لإيران وأنه سوف يلغي الاتفاق النووي مع إيران، وهذا الكلام لا يخرج عن دائرة الأماني التي تحدثت عنها، مع أن الخط الذي سيسير فيه ترامب، على ما يبدو، سوف ينسف الثماني سنوات الماضية وكل ما أنجزه فيها الديمقراطيون. إيران لا تملك كثيراً لكي تقدمه لرجل الأعمال ترامب، ولذلك لن يكون الود بين البلدين كما كان في السابق، لكن ليس لنا كعرب أن ننتظر من ترامب أن يخلصنا من عدائية إيران، ولا أن نتوقع أنه سينهي الحرب السورية بضربة عصا، بل المتوقع أن يستمر استغلال الحرب السورية والعداء العربي/ الفارسي لإنعاش سوق السلاح الأمريكي، فهي تجارة أساسية بالنسبة للأمريكيين. ما ينبغي أن نفعله في هذه الفترة تحديداً حيث نتوقع حالة من الجفاء الأمريكي/الإيراني، وانكسار الغطرسة الإيرانية، ليس السعي لتدمير إيران، بل الجلوس مع الإيرانيين ومحاولة إيجاد أرضية مشتركة للانطلاق منها نحو تهدئه الأوضاع. الإيرانيون مسلمون ونحن مسلمون، والإيرانيون تجار ونحن كذلك وسلعتنا المشتركة (النفط) قد تعرضت لأضرار كبيرة في السنوات الماضية بسبب هذه الحروب التي مازالت قائمة. الحفاظ على مصالحنا المشتركة وعودة الانتعاش لأسعار البترول مرهون لحد كبير بجلوسنا مع الإيرانيين والسعي نحو تهدئة الأوضاع معهم وإطفاء النار الطائفية التي أكلت الأخضر واليابس.