عرف «برنارد شو» الرأسمالية متهكماً وساخراً بأنها: غزارة في الإنتاج وأشار إلى شعر لحيته الكثة، وسوء في التوزيع ومسح على صلعته الناصعة.. هذا التعريف كان لوصف الدول التي تطبق الرأسمالية الصحيحة في العالم الغربي المتقدم صناعياً والغزير مالياً، التي تعلمت مع مرور الوقت أن تراعي في سياساتها الاقتصادية الأبعاد الاجتماعية المفيدة للطبقات الفقيرة والمتوسطة، وتوسع منافذ الحراك والترقي في السلم الاجتماعي حتى لا ينفجر المجتمع بأهله فلا يبقي ولا يذر.. فتحولت رويداً رويداً من الرأسمالية الجشعة والمتوحشة إلى الرأسمالية الأكثر إنسانية بمعاييرهم. وهي لا تزال في طور التطور حتى الآن. لكن ما بال الدول التي يسمونها تفاؤلاً «نامية» وماهي إلا دولٌ حابية خائبة في التنمية وحافية في المعرفة ونائمة عن التطور الحضاري منذ عقود، رغم كل الإمكانيات الطبيعة الجبارة التي تمتلكها. إن العصر الذي نعيشه هو عصر الاستباحة بكل ما تعنيه الكلمة. فأي استباحة أكبر من هذه الاستباحة للمقدرات والجهود والوقت! فالفرص التنموية البديلة المهدرة، أعدادها لا تصدق بسبب المصالح الضيقة لبعض صناع القرار والجهل المستطير للشعوب الكادحة. وهذه الحال مع الأسف الشديد، هي حال كثير من الدول التي تصنف رأفة بأنها نامية. فهي في النهاية إما أن تكون رسمياً في دائرة الدول الساقطة أو شبه الساقطة أي التي في طريقها للسقوط إن لم تقوم بمعجزة وتصحح حالها. نحن نعيش في عالم أناني. إذ لا يزال فيه الغني مالياً والقوي عسكرياً هو المسيطر. ولا يراعى فيها كثيراً إلى المباديء الأخلاقية والمعايير الإنسانية، رغم أن ناموس الكون قائم على قوانين أخلاقية، أهمها العدل والمساواة. وإن أخطر ما في هذا الأمر أن الإنسان، الذي استخلفه الله سبحانه وتعالى على إدارة هذا الكوكب ومنحه ميزة العقل والذكاء والحس والإدراك عن سائة الكائنات الحية، هو بعقله وإراته يدمر هذا الكوكب..! كيف يسعى في جنونٍ من عقل، كما قال الشاعر إبن الوردي. أليس هذا تناقضاً صارخاً؟! أليس من المضحك أن تكون ذكياً ولكن تسير لنتائج ومآلات غبية! أليس من المبكي أن الحيوانات التي لا عقل لها تحافظ على البيئة والتوازن الطبيعي فيها، بينما الإنسان المغرور يدمر بيئة الكائنات الحية الأخرى ويدمر أيضاً بيئته الآدمية! أهذا هو هدف الاستخلاف الذي أراده الخالق سبحانه وتعالى من الإنسان أن يقوم به على هذه البسيطة؟! بالطبع الجواب، لا. ولكن كثُر الخبث.. حتى أصبح بإمكاننا أن نقول الآن: اللهم إنا نعوذ بك من الخبث والخبائث، في أماكن كثيرة وليست حصراً على أماكن الخلاء أجلكم الله.! بعد سنوات طويلة من وهم التنمية وبرامجها في بعض الدول النامية، لم تستطع تقديم نظرية اقتصادية جديدة قائمة على الأسس الإسلامية تحقق فيها التقدم الصناعي والمالي. وفشلت أيضاً في تقليد الدول الرأسمالية الغربية في رأسماليتها، وخطتها في التطور.. ولكنها نجحت في تشكيل اقتصاديات ممسوخة.. تحابي فيها الغني وتسهل له كل شيء من احتكار ومنافسة غير شريفة واستيلاء على حصص الآخرين في السوق.. وتحارب فيه المشاريع الصغيرة والمنافسة الحرة والمشاركة الشريفة. فانتهى المطاف بتنميتهم الممسوخة تلك أن أهتمت بالعمران الزائف وأهملوا الإنسان. والمضحك أن كل معامل الهدم هذه تشتغل تحت السطح، والمجتمع منوم في العسل بأنه إلى الأمام سائر.. وأن اقتصاده ينعم بصحة وعافية.. ويتبجح الرسميون بمتانة اقتصادهم بأن لديهم وفرة مالية كبيرة جداً لدرجة أنها لا تعرف كيف تصرفها.. حتى ذهبت في النهاية إلى جيوب لصوص الداخل ومتسولي الخارج.! إذا كنت تعيش في هذه الدول، فأحث التراب في وجه من يأتيك بكل وقاحة ليحدثك عن تطبيقات التنمية المستدامة في خطط الدولة. وماهي في الحقيقة سوى تنمية ركزت على القشور وأهملت هدف كل التنمية وهي السمو بالإنساني مادياً وروحياً. لهذا لو تعرضت هذه الدول لأي هزة اقتصادية.. كهبوط أسعار البترول أو إيجاد بدائل جديدة للطاقة أقل تكلفة وأكثر وفرة، لتحولت بناياتها التي تزهو بها كإنجازات حضارية وحيدة ومميزة، إلى مكب نفايات ودور خلاء كبيرة في الهواء الطلق.! إن أكبر جريمة يرتكبها المخططون أنهم يبنون خططهم بشكل خطأ وينفذونها بشكل ظالم وهم مسترخون تماماً، وكأن الله سبحانه وتعالى قد استثناهم بألا يجري عليهم ما جرى على الأمم الماضية عندما فسدت وظلمت وطغت، فحق عليهم العذاب.!