قبل أكثر من عامين كتبت عن ثقافة الشائعات وكيفية التعامل معها؟ فالشائعات ظاهرة اجتماعية خطيرة لها تاريخها، ولها أهميتها التي يجب ألا نغفل عنها، لما لها من تأثير مباشر على المجتمع الذي يساهم في ذيوع الشائعة وانتشارها بصورة سريعة، لأنها الزاد اليومي لألسنة الناس، فكثيرٌ هم أولئك الذين يهتمون بصناعة الأخبار وترويجها بمختلف الطرق المشروعة وغير المشروعة، غير آبهين بنوعية هذه الأخبار ولا مهتمين بالبحث والتحري لمعرفة صحتها، كل ما عليهم هو إطلاق الأخبار أياً كانت صحيحة أم خاطئة، وهناك فريق آخر من البشر لا يهتم بصحة الأخبار، بل يهتم بما يروِّج من شائعات بين أفراد المجتمعات، ويبذل كل ما في وسعه من أجل أن يصدق المجتمع تلك الشائعة التي يطلقها. في مطلع العام الحالي حذرت هيئة التحقيق والادعاء العام في السعودية من خطر نشر الشائعات، أو تداولها قبل التحقق من مصدرها، خصوصاً تلك التي تمس النظام العام للدولة. وقد حمل التحذير بُعدين مهمَّين «وطني وقانوني»، فالأول يهيب بالمجتمع المحافظة على سمعة الوطن في كل الظروف الحياتية وتقلباتها، والبعد القانوني مهمته توعية المجتمع بأن هناك أنظمة جزائية لمكافحة الجرائم المعلوماتية قد يجهلها بعض المواطنين، وقد يتغافل عنها بعضهم الآخر، فالمادة السادسة من نظام الجرائم المعلوماتية نصَّت على عقوبة السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، أو غرامة مالية تقدر بثلاثة ملايين ريال، أو بهما معاً، لكل مَنْ سعى إلى إنتاج، أو إرسال الشائعات التي من شأنها المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة. ونحن في عصر الثورة التقنية والمعلوماتية، ومع كثرة وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن هناك قصوراً واضحاً في معرفة الأنظمة الجزائية، والقوانين الإجرائية، وعلى الرغم من الجهود الأخيرة التي تقوم بها بعض المؤسسات الرسمية في توعية المجتمع، إلا أننا في حاجة إلى تكثيف التوعية واستخدام القنوات التي من شأنها الوصول إلى عامة الشعب، وهذه من أهم واجبات الوزارات المعنية بتوعية المجتمع بالأنظمة والحقوق والواجبات، وإن كان الحمل الأكبر يقع على عاتق الإعلام بكل فئاته المقروء والمسموع والمرئي، فضلاً عن قاعات التعليم ومنابر الجامعات والمنابر الثقافية. عندما يكون الوطن في خطر، يجب على أبنائه التصدي لهذا الخطر زرافات ووحدانا، وأن يكونوا جنوداً في أرض المعركة المحدقة بالوطن كلٌّ في مجاله، والمجتمع ذاته مصدر ثقة واطمئنان في كل الأحوال عندما يصطف مع قادته ضد أعداء الوطن، فمن الضروري توعية جيل الشباب للقيام بالتصدي للشائعات، وتقويمها ونقدها، واكتساب الخبرات التي يتسلح بها الجيل للذود عن وطنه، وبالرغم من خطر الشائعات السلبية إلا أن معظم الشعب السعودي على درجة كبيرة من الوعي والإدراك وتحمل المسؤولية في دحض الشائعات وعدم الالتفات إليها، ومحاربتها قبل أن تفتك بالآخرين الذين تستغفلهم وسائل الإعلام المعادي.