أيها الموسيقي إنك لا تحمل آلة «الكمنجة» على كتفك، وتنحِّي رقبتك كي تعبث بالأوتار، إنك تؤازر هذا العالم لحزنه، إنك تنقذ حياة شخص ما من الانتحار، إنك في وقت آخر يمكنك أن تضفي على الحياة بهجة، وتطلب أن يشاركك الرقص والفرح. أيها الرسام إنك لا تلطِّخ اللوحات بالألوان كي تخبر العالم بأنك فنان ذو إحساس مرهف، إنك بالفعل كذلك، يمكنك أن ترسم لوحة بلا كلمات تعبر عن معاناته، كما يمكنك بطريقة ما أن تخبره بأنه مازال هناك ما يستحق الحياة. أيها الراقص في وطن يعتبر الرقص مشيناً، إذا كنتَ رجلاً، فإنه ينقص من رجولتك، وإذا كنتِ امرأة فأنتِ بلا حياء، لكنهم لا يعلمون أنني أشاهد على «يوتيوب» رقصات التانجو والفلامينجو والزومبا، إنها تبهجني بطريقة تخبرني: بألا شيء يستحق الحزن. أيها الكاتب أنت زميلي، ويمكنني أن أشعر بحزنك وأنت تكتب، إنك تخلق من الصمت كلمات لم تُقل، يشعر معها القارئ بالأمان، هناك مَن يشعر به، أيها الكاتب أنت لم تُخلق عبثاً، إنك تشارك الآخرين أحزانهم وأفراحهم في لحظات الحب، الوداع، الفقد، الحرب والصداقة، إنك بين أوراق يسكن معك كل قرَّاء هذا العالم. إننا نتعرض إلى القصف باستمرار، تقصفنا أخبار أعداد الضحايا، وأسماؤهم التي لا تُذكر، ولا أحد يكترث، تمزقنا الصور المعلَّقة على الحائط لأحباء دفنوا، والكوارث الطبيعية التي تسلبك كل ما بنيته في لحظة، أصوات الأطفال وهم يطلبون كِسرة خبز، أو منديلاً يبقيهم على قيد الحياة، هذا العالم تعيس يا عزيزي، إنه يتمزق. أيها الفنانون، إنكم لم تُخلقوا لكي تهدروا الوقت في صنع عمل مسرحي يُنسى، أو مقطوعة موسيقية لا قيمة لها، أو كتاب لا طائل منه، بل خلقتم لتذكِّروا الناس بأنها تستحق أن تحيا، بأن هذا العالم له طريق آخر، وأنه يمكن أن يصبح رائعاً من جديد، وأن الألم وُجِدَ لكي تشعر بلذة الفرح. أيها الفنانون، أعمالكم لا تقل قيمة عن أعمال الأطباء بإنقاذهم حياة أحدهم، لا تجعلوا أحداً يُشعركم بأن أعمالك غير مجدية، إنهم يدخلون إلى عالمكم عندما يشعرون بالألم، وعند حاجتهم إلى البكاء، أو حتى الضحك، إنكم أيها الفنانون تجعلون من القبيح جميلاً، وتطبطبون على أكتاف الموجوعين، إنه عمل صعب لا يمكن لأحد إتقانه حتى أكبر العلماء والمخترعين. هذا العالم اختارك يا صديقي، لأنك مبهر وساحر.