غرد الزميل المهندس خالد العثمان في حسابه في تويتر بقوله «أعجب ما يمكن أن تراه مشهد رجل أمن يرتكب مخالفة مرورية وهو يرتدي الزي الرسمي، والأعجب منه أن يجادل بأن ما فعله هو ما يفعله الجميع كل يوم !». هذا السلوك من رجل الأمن علمياً غير مستغرب لأن رجل الأمن مقتنع بأن ما يفعله هو صحيح بناءً على ما تعوَّد عليه وما يراه من عادات يومية وما يمارسه أيضاً. المتخصصون في الخدمة الاجتماعية وعلم الاجتماع وعلم النفس يعرفون نظرية العقل الجمعي جيداً وهي واحدة من النظريات التي تفسِّر كيف تتشكَّل سلوكيات الناس وأن تصرفات الجماعة تعكس سلوكاً صحيحاً والسبب في ذلك انتشاره وتكراره، وأن هذا السلوك هو الصحيح لأن كثيرين مقتنوعون به ويمارسونه. للجماعة أثرها الكبير في التأثير على سلوك الأفراد، فينصاع الأفراد وبدون معرفة الأسباب وبدون اقتناع أحياناً لما تفعله الجماعة، لأنهم لا يرغبون أن يكونوا مخالفين ومختلفين عن الجماعة بغض النظر عن صواب السلوك من خطئه، وهذا السلوك يطلق عليه البعض مصطلح «سلوك القطيع». انتشر منذ فترة مقطع فيديو لتجربة اجتماعية في عيادة أسنان، حيث تم إدخال امرأة للعيادة وتنتظر في الصالة قبل دخولها إلى الطبيب فتلاحظ أن الناس من حولها يقفون كلما رن الجرس، لم تتجاوب في البداية، لكنها بعد بضع رنات أصبحت تقف وتجلس بتناغم مع كامل المجموعة التي كانت تؤثر عليها وعلى سلوكها دون أن تعي السبب ولا تقتنع به، حتى بعد أن غادر كل من في الصالة ولم تبق إلا هي ظلت تقف كلما رن الجرس. الأكثر إثارة أن التجربة تضمنت إدخال شخص جديد إلى الصالة ورآها تقف كلما رن الجرس فلم يقف في البداية لكنه لاحقاً سألها عن السبب فقالت إن من كان قبلها كانوا يفعلون نفس الشيء وهي تقوم بنفس الفعل، وعندما رن الجرس بعد ذلك وقف هو أيضاً معها. من هذه النظرية يمكننا أن نفم كيف أن غياب التوعية المرورية المكثفة أوجدت فراغاً تم من خلاله الاجتهاد في ممارسة بعض السلوكيات المرورية المخالفة وتكررت وانتشرت فأصبحت عادة يمارسها الجميع، ومن لا يمارسها يصبح هو الشخص الخطأ. فمثلاً نجد أن هناك قلة ممن يلتزمون بربط حزام الأمان، وأصبح المفهوم عند كثير من الشباب أن من يربط حزام الأمان شخص لا يعرف قيادة المركبة وأنه أقل خبرة ودراية بالقوانين المرورية ويمكن أن يتسبب في حوادث ومشكلات مرورية لأنه لا يعرف كيف يتم قيادة السيارة. لحل مشكلة المرور والسلوكيات المرورية في المجتمع تحتاج الإدارة العامة للمرور للاستفادة من المتخصصين في السلوك الإنساني وفهمه ونظرياته وتفسيراته من خلال عقد عدد من الدورات والندوات واللقاءات وتنفيذ دراسات علمية متخصصة. أيضاً يمكن لهم التعاون مع الأقسام المتخصصة كقسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود بأن يقوم طلاب الدراسات العليا من طلبة الماجستير والدكتوراة بدراسة هذه السلوكيات والاستفادة من هذه الدراسات ونتائجها بما يعود بالنفع والفائدة على المجتمع وعلى الطلبة أيضاً.