الكتابة كنز دفين أول مَنْ يكتشفه الكاتب من خلال ذاته، من خلال تلك الروح التي تصنع ما لم يستطع صنعه العقل، فالكتابة هاجس يصيب الكاتب، يزداد الحنين إليه كلما ابتعد عنه، وهي طقس خاص بالكاتب الذي لا تغيب عن ناظريه تلك الجرأة التي يحوزها القادرون على كشف الحقائق بلا تردد، في محاولة للرقي والتقدم وإصلاح المجتمع بلا خوف من ناقد. فالجرأة يقول عنها باولو كويلو «وحدها التي تسمح بأن يظهر الطريق»، وهي القادرة على أن تكشف لنا ألاعيب الرموز اللغوية التي شكلت العنف والإرهاب نتيجة فشل مثقفينا في كشف مكونات الواقع، إذ إنهم ضحايا لتلك الرموز والأيديولوجيات، مما جعل عجزهم هذا يؤدي بهم إلى لوم الآخر على مؤامراته. كل ما يحتاجه الكاتب في بداية مشواره هو الجرأة على الكتابة، وعلى تدوين الأحداث اليومية في مذكراته، ومن ثم الانطلاق إلى تحقيق الهدف والرسالة، ولن يحدث ذلك لولا الإيمان الراسخ بالقضية داخل أعماق الكاتب، فالإيمان بأعماله ورسالته هو نقطة البداية وسبيل النجاح، حيث يؤكد باولو كويلو ذلك بقوله: «لكي تؤمن بأن طريقك هو الطريق الصحيح لا حاجة لك بأن تثبت أن الطريق الذي اختاره غيرك ليس صحيحاً»! والأهداف ليست بتلك البساطة التي نتوقعها إن لم يكن الكاتب ذا عزيمة فائقة؛ لأن العزم على تحقيق هدفه وإيصال رسالته إلى الناس هما ما يجعل من العثرات التي تواجهه في كل مرة ليس لها أثر لتوقفه عن الكتابة، إلا إذا كان كاتباً فاشلاً؛ فالحالمون كما يصفهم «كويلو» لا يمكن ترويضهم أبداً. لابد للكاتب أن يهيِّئ حياته لما هو أفضل، ويصنع عالمه الخاص دون أن يضع أعذاراً واهية ليرغم نفسه على التخلي عن الكتابة؛ فالفاشلون وحدهم مَنْ يفعلون ذلك، حيث إن الكلمات، كما يقول تشارلز بوكوفسكي: «إذا لم تخرج منفجرة منك.. برغم كل شيء.. فلا تفعلها؛ إذا لم تخرج دون سؤال من قلبك ومن عقلك ومن فمك ومن أحشائك.. فلا تفعلها؛ إذا كان عليك أن تجلس لساعات محدقاً في شاشة الكمبيوتر باحثاً عن الكلمات.. فلا تفعلها؛ إذا كنت تفعلها للمال أو الشهرة.. فلا تفعلها؛ إذا كان ثقيلاً عليك مجرد التفكير في فعلها.. فلا تفعلها؛ إذا كنت تحاول الكتابة مثل شخص آخر.. فانسَ الأمر؛ لا تكن مثل كثير من الكُتَّاب..لا تكن مثل آلاف البشر الذين سمُّوا أنفسهم كُتَّاباً.. لا تكن بليداً ومملاً، مكتبات العالم قد تثاءبت حتى النوم بسبب أمثالك». ولكي تكون كاتباً عليك أن تكتب ولا تتوقف، ولكي تعرف نفسك راقب كلماتك وكن أنت لا غيرك!