يقول الكاتب البرازيلي باولو كويلو: «عندما تنظر إلى الماء فإنك ترى سائلاً. ولكن إذا كان لديك قليل من المخيلة فسترى السائل، وترى المنبع، وترى جوف الأرض، وترى الشخص الذي غرف هذا الماء ووضعه في زجاجة، وترى عائلة هذا الشخص وما كان حوله، وكم من طير أو كائن أو حيوان أو نبات تشاركوا معك في هذا الماء كي يواصلوا الحياة! وترى كيف أن هذا الماء كان في يوم ما غيمة أو مطراً. وهكذا حين تستعرض كل الحكاية لا تعود ترى الشيء الفيزيائي فقط، وإنما كل طاقة المطر والأرض والنبع والإنسان. فعندما تشرب الماء، فأنت لا تشرب مجرد سائل وإنما تشرب طاقة من الرب. وعن هذا كله أتحدث! فلا نفصل بين الأشياء. ولا ننظر إلى الشيء بلا تأملات وبلا اكتراث. بل علينا أن نربط دائماً». هذا الكاتب معروف عنه توغله في لغة الرموز والإشارات. حتى قيل إنه لا يبدأ في كتابة أية رواية إن لم يرَ ريشة بيضاء تطير في الهواء، مهما كلفه الانتظار من وقت، وهي مبالغة تمكنت من صاحبها. على أن مسألة الربط بين مجريات الإنسان وأحداثه المتتالية وبين ما يقع حوله وبعيداً عنه على حد سواء، هي من نباهة المرء ولا شك، ويقظته العقلية والروحية، فكل مرتبط بكل لو فكرت، أو قل لو اقتنعت. وبالمبدأ نفسه نسأل: هل تستحضر معاني الآيات القرآنية وأنت تقرأها؟ هل تتمعن في حديثك المرسل مع الأهل والمعارف كالسؤال عن الصحة والأحوال..؟! والذي تنطقه بلا تفكير، بل مجرد روتين لا يعنيك. وهذا ما قصده باولو باستحضار طاقة الأشياء. فكل شيء مشترك مع طاقة السماء. وحين يفوتك هذا الربط، فحتماً سيضيع عليك الانتفاع بهذا الارتباط وبهذه الطاقة. حسناً لنفككها شيئاً قليلاً ونقول إن حواسنا هي مَن خلقَ الحدود، وعقلنا من أوهمنا بالحدود التي هي غير موجودة في الأساس. أليس كل شيء مرتبطاً بالله خالقنا؟ ألسنا جميعنا ضمن هذا الارتباط؟ فأين الحدود إذاً؟ فالعالم لا يتألف مما هو مرئي فقط، بل هو يحوي غير المرئي أيضاً، فإن كنت لا ترى الشيء فليس معناه عدم وجوده. فأنا لا أرى عقلك فهل يعني هذا أنك بلا عقل؟ فلا تحكم على ما يمكن قياسه لأنك بذلك ستظلم نفسك كثيراً، وتحرمها من أبعاد باطنية غير مرئية هي حتماً أكبر من القياس الظاهري. لذلك قلة من البشر الواعين بهذه الحقيقة هم المنتفعون بها. في الفيلم الأجنبي وعنوانه «بلا حدود»، هناك حبة - مثل الدواء - سحرية إن بلعتها استحضرت معها معرفتك الواعية وغير الواعية. بمعنى آخر استعدت سيطرتك على آلة عقلك بقدرة قصوى على التشغيل، وعندما يحصل فستفاجأ باللقاء الذي يعقد بينك وبين الوجود بما فيه! بلا خوف، وبلا تردد، وبلا حدود لعقلك وروحك. هكذا خلقنا الله كي نتجه نحو الأعلى ونحن من نحددها بالاتجاه نحو الأسفل، أو في الاستكانة محلك بلا تغيير. أمّا من يتخلص من تردده في الاتجاه نحو الأعلى متسلحاً بالربط وبطاقة الوجود بين الأشياء... هذا الإنسان سيصل إلى أبعد مما وصل إليه غيره، لأنه استطاع أن يكسر السلسلة ويخرج إلى الرحاب الأوسع... ولا تظن أنه لا ينبئك مثل خبير عن الرحاب الأوسع! بل اختبره بنفسك! الحياة تتغير كل لحظة. وعقلك محكوم بالماضي وبما تعلمه! وكأن ثمة فجوة بين عقلك وروحك وبين الحياة. فنمطك أبطأ من نمط الحياة. لذلك دائماً ما تشعر أنك تأتي متأخراً. فقارب المسافة بين الخارج والداخل كي تعينك في اتجاهك نحو الأعلى. وكما قلنا «هذا الأعلى» هو منظور أكبر من القياس المرئي والظاهري. هو اللاحدود لعقلك واللاحدود لروحك. فهل للسماء حدود إن نظرت إليها؟ فتصور أن هذه السماء بداخلك ولكنك لا تراها! وكذلك هما عقلك وروحك. فقط تذكر أنك من صنع الخالق. وآمن أن السماء اللامحدودة بداخلك. لذلك فالمؤمن الحقيقي هو جسر بين هذا العالم والعالم الآخر... بين المادي والروحي، وبتوازن دقيق. ولا يخل بهذا التوازن إلّا الإنسان. [email protected]