عزيزي المعلم؛ لقد حباك الله بنعمة اقتصرت على الأنبياء ومن بعدهم العلماء والصالحون، هي هداية الناس. والهداية لا تقتصر على تحويل الإنسان من الكفر إلى الإيمان، وإنما تحويله من الباطل إلى الحق ومن الجهل إلى العلم ومن الضلال إلى الهدى ومن السذاجة إلى الوعي. باختصار تحويله إلى أن يكون إنساناً أفضل وأرقى وأكمل. فاحمد الله على الفضل الذي خصك به دون غيرك واستشعر عظمة ما تقوم به وأخلص النية لله! أمامك فرصة عظيمة لتمرير رسائلك. هي مسؤولية عظيمة تجاه كل من هو تحت إدارتك، وكل من ينهل من علمك وتجاربك. فاتق الله في الرسائل التي ترسلها والقيم التي تغرسها والمبادئ التي تؤصلها، واعلم أنك مؤثر وذو رأيٍ مسموع، فراقب نفسك. التعليم ليس مقتصراً على التلقين، وإنما تهيئة الآخر نحو التعلم والاستزادة والبحث والتفكير والتحليل والإنجاز. هو إعداد الجيل الذي ستسهم في كونه أنفع وأصلح في رعاية المجتمع وحفظه والقيام به. التربية شأنك والتقويم دورك وإن انتزعوه منك. اعلم أنك أحد الأعمدة الرئيسة في بناء وتكوين شخصية طلابك. لا تستمع لمن يقول لك بأن مسؤوليتك أن تقدم المعلومة وكفى. مسؤوليتك الحقيقية أن تقدم القيمة، والمعلومة ليست إلا جزء من هذه القيمة. وأنت أهلٌ لغرس القيم ونبراس في منهاج التربية والتقويم والتعليم. احترم النظام والقانون وطبقه بحيادٍ ولو على نفسك، اجعل من مكانك منطلقاً لتأصيل القانون واحترام النظام. ولكن لا تسمح لواضع القانون بتقليص صلاحياتك وتحجيمها، والسطو على مبادئك والاستنقاص من قيمك وقيمتك. دافع عن قيمك ومبادئك حتى النهاية وطوع القانون بما يخدم هذه القيم والمبادئ. تذكر أنك مثال يحتذى في احترام القانون وإرساء القيم والمبادئ. طور نفسك أيها المعلم وضاعف معلوماتك. تعلم جديداً في مجال تخصصك، لا تعتمد على التراكم المعرفي القديم، ولا تتوقف عن الاستزادة من العلم والمعرفة. حضّر جيداً وراجع معلوماتك. احترم عقل من هم أمامك، فهم أذكياء وواعون لدرجة يدركون فيها حجم تقصيرك ورجعية معلوماتك. تعامل معهم على هذا الأساس، واعمل على أن تقدم لهم الإضافة. كن القدوة لهم في الإخلاص والبذل والعطاء. اخلق بيئة مفعمة بالاحترام والثقة المتبادلة بينك وبين طلابك. ثق بهم ثقةً منضبطة وراقبهم من بعيد. ربهم على أن يثقوا بأنفسهم حتى يعرفوها. فمن وثق بنفسه وعرفها وثق بربه وعرفه، ومن عرف ربه اتقاه، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، فيينجز ويعطي ويخلص في العطاء. تفكر في هذا الأمر جيداً واخلص النية لتحقيقه. اعلم أيها المعلم أن أثرك كبير وإن قل عدد المتأثرين، ليس عليك هداهم.. فلا تستسلم ولا تيأس ولا تغير من طريقتك لهذا السبب. ابذل ما في وسعك واصبر وجاهد نفسك واصطبر، فلأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. لكل شيخ طريقته ولكل معلم مدرسته. فهناك من يعتمد على الترغيب وتسهيل الأمور لتحفيز الطلاب وإزالة الحواجز من أمامهم. وهناك من يعتمد الترهيب والضغط لشحذ الهمم وإخراج أفضل ما عند الطلاب. اتبع أي الطريقتين أفضل من وجهة نظرك، ولكن احذر من ترهيب يحبط الطالب ويثبّطه أو ترغيب لا يجعله يفرق بين التعاون والتهاون. احذر الظلم في الحالتين، فلا تمنح المتهاونين فوق حقوقهم ترغيباً ولا تبخس المجتهدين حقوقهم ضغطاً وترهيباً. من تراجع العزائم أن يرى بعضهم فيما تقدم مثاليات وكلاما فارغا غير قابل للتطبيق. ومن تراجع العزائم أن يرى بعضهم في نظام التعليم ما يعيق التطبيق فيستسلم. ومن تراجع العزائم أن يرى بعضهم عدم أهلية المعلم أو أهلية طلابه لأي مما تقدم. ومن تراجع العزام أن تضرب وتشوه القدوات وأن يطلق على المعلمين والمعلمات النكات وأن يساء للمعلم ومهنته وقيمته، وأن يوجد المعلم في بيئة محبطة متهالكة تثبطه وتحبطه ولا يمنحه حتى طلابه فيها قدره. هنا تدرك أنك على ثغر وأن مسؤوليتك عظيمة ودورك كبير. وأن هذا البلاء وإن عمّ لا يقدر على علاجه بعد توفيق الله إلا أمثالك. إن ما طرح ما هو إلا غيض من فيض. وما تعرف أكثر وما تدرك أعمق ولكني أذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين.