لا شك أن القرآن هو أداة التربية الإسلامية الأولى حين يتلقاه الإنسانُ بقلبٍ متفتح فيتلقى منه التوجيهات التي أودعها الله فيه: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} ومن أجل هذا - وغيره - يوجب الإسلامُ على المسلمين قراءةَ القرآن وتدبر آياته، فهو معين التربية الأول ومعين الحياة. والقرآن هو كتاب التربية والتوجيه لهذه الأمة، فهو الذي أنشأ خير أمة أخرجت للناس، وهو منهج التربية الذي تربى عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وربّى عليه أمته بعد. وقراءتُه ينبغي أن تكون على هذا الأساس: فهو الذي يضع لنا منهج تربيتنا، وهو الذي يربينا في ذات الوقت. ولقد تولى القرآنُ مهمة تربية الأمة الإسلامية، فرباهم أولاً بالعقيدة، من خلال تعريفهم بربهم ليعرفوه فيعبدوه حق عبادته، ورباهم بالترغيب والترهيب، ورباهم بالأحداث كما في غزوة أحد وبدر وحنين وغيرها، وهذا القرآن الذي ربى هذه الأمة الأولى هو ذاته القرآن الذي نقرأه اليوم، فينبغي أن نستيقن أنه هو منهج التربية وهو المربي الذي يجب أن نتربى عليه. وأن آياته جاءت للتربية، سواء في العقيدة أو قصص الأنبياء أو التوجيهات الخلقية أو الاجتماعية أو السياسية أو القتالية أو ما يحتويه من الترغيب والترهيب، ونحن نحتاج ونحن نقرأ النص في القرآن أن نتربى عليه كما تربى الجيل الأول من الصحابة رضوان الله عليهم حتى يتحول من بديهية ذهنية إلى عقيدة في القلب. والمتأمل في القرآن الكريم؛ يجد أنه منهجٌ للقيم والأخلاق الكريمة، التي يتربى عليها الفرد والمجتمع، لذا كان وصف عائشة رضي الله عنها للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن قالت: (إن خُلق نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كان القرآن). فقد فصَّل القرآن في تعامل العبد مع ربه سبحانه وتعالى وكيفية عبادته وتعظيمه، ثم صرف النظر إلى حقوق العباد، فبدأ بأعظمهم حقاً، فقال سبحانه وتعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }، كما أرشد المجتمع إلى أساليب التعامل فيما بينهم والآداب الواجب توافرها حين يتعامل الفرد مع الآخر سواءً كان قريباً أو بعيداً، مسلماً أو كافراً، مما يجعل المسلم أمام منهج رباني متكامل، لا يعتريه النقص ولا الخطأ، يأخذ بيده إلى السعادة الدنيوية والأخروية. وقد سلك القرآن الكريم مسالك متعددة وأساليب متنوعة في التربية، حيث جاءت التربية القرآنية عن طريق: ضرب الأمثال الكثيرة الدالة على الخير والهداية، وقد قال الله تعالى في بيان الهدف من تلك الأمثال:{وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}، وقال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، وقال:{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }. كما سلك القرآن في تربية العباد مسلك ذكر القصص لأجل العبرة والاتعاظ والاهتداء والاقتداء، قال سبحانه وتعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. كما جاءت التربية القرآنية بأسلوب الترغيب والترهيب، قال تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}. كما جاءت بأسلوب التربية بالأحداث كما في آيات غزوة بدر وأحد والخندق وحادثة الإفك، وغيرها من الوقائع. والقرآن العظيم قد سلك أعظم الأساليب التربوية، وأنفعها في تربية الأفراد والمجتمعات على القيم النبيلة والمبادئ السامية، حافظاً لكلٍّ حقه رجلاً كان أو امرأة، صغيراً أو كبيراً، مسلماً أو كافراً. وقد قال الله سبحانه فيه: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، وقال جل ذكره: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}. نسأل الله أن يهدينا بالقرآن الكريم وأن يوفقنا لاتباعه والعمل به، والله أعلم. *وكيل عمادة شؤون الطلاب للنشاط الطلابي بجامعة طيبة