الطفل في الدول التي تُقدر الطفولة وتعرف متطلباتها هو طفلٌ يمارس طفولته بكاملها، ويأخذ نصيبه منها بالكامل، لعبا وصراخا وابتساما وتمردا ورغبة في المعرفة، وتثقيفا وحبا وإحساسا، ومتعة وجرأة وشغفا وتجربة! أما الطفل في أوطاننا ينبغي أن يولد رجلا مكتمل الرجولة، خاليا من عيوب (الطفولة) ومن نقائص تبعاتها، وهو منذ اليوم الأول لولادته يتعرض لاغتيال هذه الطفولة في صور وأشكال شتى، أبسطها منعه من البكاء، واعتبار البكاء لونا من ألوان الشكوى والاحتجاج لا يليق بمقام الرجال الأقوياء، ومنعه من اللعب أو محاولة اكتشاف ما حوله من أشياء؛ لأنه سيدخل في إطار الأطفال المخربين المزعجين ممن يسببون الخسارة للآباء، ولا يتيحون لهم أن يفخروا بهم بصفتهم رجالا، وليسوا أطفالا! والطفل هناك يُراقب ليَكتشف بنفسه ويتعلم، فيعثر ذووه على نقاط قوته ونقاط ضعفه ويتمكنون من تحديد هواياته واتجاهاته منذ ولادته. أما هنا فنراقب الأطفال مراقبة شرطي لسجين، أو مراقبة حارس لسارق، نراقبهم لنعاقبهم على أخطائهم في حق السائد والمعتاد والمتعارف عليه. والطفل كذلك هناك يُولد ليسعد هو، ويستمتع بحياته الشخصية، حتى يكوِّن أسرته الشخصية السعيدة الجميلة المقبلة على الحياة. أما طفلنا فالغاية من وجوده هي إسعادنا نحن، وليس هو، فسعادته ثانوية، بينما سعادة أسرته هي الأساس! إن اغتيال الطفولة في الأطفال جريمةٌ مجتمعية خطيرة، ندفع ثمنها باستمرار من مقدراتنا بدون أن نشعر، فمرض الإحباط، والتشاؤم، وانتقاد المبدعين، والدعوة للكسل والتراخي، والعنف والإرهاب، هي بالتأكيد من نواتج اغتيال الطفولة في الأطفال. لقد حُفِّظَ أطفالنا أناشيد كثيرة بدون أن يفهموا معانيها، ألفها لهم الكبار ليُعجبوا بها على ألسنتهم، فأصبحوا كمن يقطع زهرة ويضعها في جيبه ليشم رائحتها، وفي لحظات تذبل الوردة وتموت، ولا يبقى إلا شكلها الخارجي الذابل! كيف يتعلم الأطفال فن الاختراع والاكتشاف إذا حرموا من اللعب والاكتشافات، ففي المدارس يجلسون ليحفظوا فقط. وفي البيوت يُحكم عليهم بالسجن والصمت والهدوء والأدب، ويحظر عليهم أن يلمسوا مقتنيات البيوت وخطوط الكهرباء والأدوات الكهربائية، أو معرفة كيف تعمل أدوات البيت، أو أن يجربوا اختراع آلة أو أداة، وهم لا يتمكنون من ممارسة أدنى حقوقهم في منزلهم. قديما قال روسو في كتاب إميل – تربية الطفل من المهد إلى سن الرشد – «دعوا الطفولة تنضج في الأطفال»! لا تسعدوا عندما يُقلّدُ أطفالُكم الكبارَ في أفعالهم، ولا تفرضوا عليهم أن يكونوا صورة منكم، ولا تُسروا عندما تشاهدونهم يلبسون عباءاتكم وأثوابكم، ولا تحاولوا أن تمسخوهم وتصوغوهم على أهوائكم، وتفصلوهم وفق رغباتكم. ليست العبرة في بناء الشوارع وتوسيعها، وليست العبرة في بناء الفصول الدراسية وزيادة عددها، وليست العبرة في تخريج أعداد كبيرة من الطلاب من المعاهد والجامعات، ولكن العبرة تكمن في طريقة تربيتنا لهذا الجيل، وعلينا أن نسأل أنفسنا دائما: هل سنتمكن بهذا الجيل أن نصل إلى المستقبل؟ أم أننا قررنا أن نغتال هذا الجيل بجهلنا وغفلتنا، ونجعله تابعا يعيش على بقايانا؟!