في مقالة سابقة، لخصت كتاب سيد قطب «في ظلال القرآن» في كليمات مختصرة وجامعة، هي أن هذه المجلدات الستة التي كُتب معظمها في السجن، تحوي تكفيراً شاملاً للمجتمع المصري ولا تستثني إلا الجماعة المؤمنة «الإخوان المسلمون» وأفراداً قليلين يتذبذبون بين الكفر والإيمان، بناء على تقسيم قطب، وأن الواجب على الجماعة المؤمنة هو أن تثور بالسلاح وتقضي على الجاهلية وأهلها. هذه قراءة مختصرة للظلال بعد قراءتي له، صفحة صفحة. وأتمنى أن أجد من يُثبت لي بالبرهان لا بالعواطف، أنني أسأت فهم الظلال، وأنه لم يقل هذا الكلام. أعلم أن سيد قطب عزيز على قلوب كثيرين من إخوتنا، وهذا ما يجعلني أتردد بعض الشيء في الكلام عنه، لأني لم أعد أرغب في الخصومة مع أي تيار، صغيراً كان أم كبيراً. لكنني أعتقد أنه من الواجب الذي لا مناص عنه، علينا جميعاً من كل تيار، أن نقوم بتصحيح المفاهيم الخاطئة، بغض النظر عن الشخص ولمن ينتمي، وسيد قد أخطأ خطأً شنيعاً كبيراً بفكرته هذه عن الصدام الحتمي الذي يجب أن يكون ويجب أن يستمر حتى يُفني أحد الخصمين خصمه. تلك الفكرة التي نقلها عن المفكر الهندي أبي الأعلى المودودي، وتجلّت روحها في جماعات الإرهاب التي خرجت بعدها، ومارست العنف ضد الأهل والوطن، وما زالت تخرج وتتكاثر حتى ما عدنا نحفظ أسماءها. من عبارات سيد قطب، أو بالأحرى هي من خطاياه، قوله: «ما الوطن إلا حفنة من تراب عفن»! تلك الجملة التي تلقفها أناس فصاروا يرددونها دون أدنى مراجعة لمحتواها الخطير. ولو أن واحدنا ألقى نظرة على فتاوى عالم سلفي مثل ابن تيمية لوجد الفتاوى مليئة بالدعاء والحب لمدينته التي لا يسمِّيها إلا «دمشق المحروسة» برغم كل التوترات السياسية التي عاصرها والحياة الصعبة التي عاشها في السجون. هذه حجة تفنّد عذر من يعتذر لسيد قطب بأنه كان يكتب من السجن. وطني ليس حفنة تراب عفن. وطني ليس وثناً. وطني هو الأرض التي ولدت على ترابها وأكلت من خيرها وقطعتها من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها. وطني هو المكان الذي ولد فيه أطفالي ورأيتهم وهم يستهلون صارخين لأول مرة. وطننا هو بيتنا الكبير الذي لا نشعر بالأمان الكامل إلا عندما ننام فيه ونغلق الباب. هذه ليست قصيدة شعر، بل هو تذكير ببدهيات، لكي لا ننجرف وراء من يأكلون من خير الوطن ويعيشون فيه عيشة يحسدهم عليها من هو أفضل تعليماً وشهادات، في بلدان ليست بالبعيدة، ثم يتنكرون للوطن من خلال دعوات فاجرة لعودة الخلافة العثمانية كي تحكم العالم العربي، كما كانت في السابق. برغم كل التحديات التي تواجه المملكة على الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية إلا أننا كلنا ثقة في القيادة العليا ممثلة في الملك سلمان بن عبدالعزيز والأمير محمد بن نايف والأمير محمد بن سلمان، وكلنا ثقة أن الوطن سينتصر على كل التحديات وأن المستقبل مشرق بإذن الله. هذه ليست أمنيات، بل أفكار تنبع من رؤية عقلانية وإيمان عميق. كل عام وأنت أجمل يا وطني.