المفارقات في هذه الدنيا كثيرة، لكن هناك مفارقة عجيبة تلفت نظري دائماً، حين تأتي العاملة المنزلية أو السائق للعمل لدى أسرة تأتي ومعها هدف واضح وبسيط، تأمين دخل لأسرتها أو ربما بناء منزل أو غيره. وبحسب مدة عملها وبمتوسط عامين إلى خمسة أعوام تكون هذه العاملة أو السائق قد وصلت للهدف، ومن خلال الأحاديث معهم تجد أنهم وصلوا لأكثر من ذلك، بعضهم بنى له منزلاً وأمّن تكاليف دراسة أبنائه، وربما اشترى مزرعة توفر له دخلاً إضافياً، وذلك من رواتب ثلاثة أعوام! بالمقابل كفيل العاملة أو السائق (خصوصا من كان في مقتبل العمر) مازالت أمامه أعوام طويلة ليصل إلى ما وصلت إليه عاملته أو سائقه مع اختلاف درجة الهدف، أعلم أن طبيعة الحياة لدينا مختلفة عنهم، فارق العملة، وضع البلد وكذلك الأولويات والاهتمامات. بالنسبة لهم هذه الأساسيات كل شيء وتستحق أن يجاهد الشخص فيها برغباته وراحته، وما إن تتحقق تصبح الحياة أسهل لهم. أما نحن نؤمن أنها أساسيات وضرورة قصوى لكن يحول بيننا وبين سرعة تحقيقها أسباب كثيرة، بعضها خارج عن إرادتنا وبعضها بسبب ضعف إرادتنا. نعلم جميعا أن الأوضاع العامة صعبة وتحتاج لكثير من التعب والصبر، لكن هناك من استطاع رغم الظروف أن يبني أساساً لحياة مريحة له ولأسرته، أعرف شخصيا بعضاً من هؤلاء الناس، كل ما في الأمر أنهم تسلحوا بالوضوح، الصراحة والشجاعة في تحقيق الهدف، تصدوا لكماليات الحياة برؤيتهم لأنفسهم بعد خمسة أعوام أو أكثر، قاوموا سطوة المجتمع بأهمية راحتهم واستقرارهم أولا، ضحوا بأوقات الراحة في عز الشباب والطاقة في سبيل كسبها لاحقا كإجازات مستحقة ووقت الكبر وعند اللزوم. ختاماً، لا شيء مستحيل، كل البدايات غالبا تتسم بالصعوبة التي تتذلل تدريجياً، والحياة الطبيعية هي التي تتدرج بشكل انسيابي نحو الأفضل، والأفضل لا يحصل من خلال مارد مصباح علاء الدين ولا من خلال الحظ، بل بالحلم والعمل على تحقيق الحلم بشتى الوسائل.