في مجتمع الفضيلة، لا يمكن لأي تغيير شجاع أن يظهر دون أن يواجه بالرفض، واللعن، والإقصاء. وبين أفراد يظنون أنهم يملكون وحدهم مفاتيح الجنة، يتم وأد أي محاولة لتنوير المجتمع والفكاك من تراكمات الماضي وما خلفته التقاليد البالية التي تمت شرعنتها مع مرور الزمن. ووسط تلك العتمة، يظهر النور خافتاً من بعيد، لكن لا يجرؤ سوى القليل على المضي قدماً ليأتوا لنا بقبس منه، هؤلاء الشجعان هم الذين دائماً يصنعون الفارق، وهم في نفس الوقت من يتحمل الخيبات الكبرى، ومن يدفع ضريبة جبن البقية، لكنهم موجودون، لنستضيء بهم في أشد الأوقات حلكة. الشجعان لا يظهرون كثيراً، لكن الزمن يقتنص الفرصة ليرميهم في طريقنا. فعلتها في الخمسينات، روزا باركس، حين تمردت على العنصرية ورفضت أن تخلي مقعدها لرجل أبيض، فأشعلت ثورة السود في أمريكا، وفعلها الزمن مرة أخرى حين ضاقت سمر بدوي ذرعاً بسرقة خياراتها الفطرية، ورفضت أن تكون عنصراً هشاً ودمية في مسرح عرائس يحركه الرجال كما يرغبون. سمر بدوي، كانت لها نفس أبية، ترفض أن تلتف حولها قيود الظلام من خوف وصمت وخجل ورهبة، لأنها أدركت أن تلك القيود واهنة أشد الوهن، وعرفت بعد ذلك أن قيدها الوحيد هو ما ارتضته لنفسها من طاعة لله ورسوله فقط، دون ضغوط ولا إملاءات ولا إجبار، فهاهي تقابل ميشيل أوباما وهيلاري كلنتون لتنال جائزة “أشجع امرأة في العالم” وهي في كامل حجابها، بكامل اختيارها! ولأنها سمر بدوي، فقد كانت سنوات الظلم والقهر التي عانتها بعد وفاة أمها من تعذيب جسدي ونفسي، وأخذ لأموالها، وصولاً لطلاقها وسجنها سبعة أشهر بلا ذنب ولا تهمة، وحرمانها من الزواج، كانت تلك المآسي غير كافية لوأد حريتها، لأن نفس سمر تشتعل شجاعة وحرية وإصراراً، لتقف بعد ذلك في وجه كل من يشكك فيها بروح لا تعرف الخنوع. ولأننا في مجتمع الفضيلة، والخطوط المقدسة، فلم يكن من الغريب أن يظهر أشخاص -ربما لا يصلّون حتى- ليدّعوا الدفاع عن الدين ويشتموا سمر وزوجها ويتهموهم في دينهم وأعراضهم. هم قد لا يعرفون من هي سمر أصلاً، لكنهم سلّموا لجام عقولهم سلفاً لمن يفكر عنهم، ويكتب عنهم قراراتهم، فهي تُملى عليهم بكرة وأصيلاً، وهم لم يتعلموا بعد كيف يُعملوا الاختراع العظيم الموجود في أجسامهم المسمى “عقل”! ولسوء الحظ، فمجتمعنا يغص بالكثير من “سمر”، لكنهم لا يملكون شجاعتها، وأعذرهم في ذلك، فالمجازفة كبيرة في مجتمع ينظر العديد من أفراده للمرأة كأداة للخطيئة، ولا يفهم معنى أن تكون إنساناً وحسب، لا يفهم أنه يشوّه سمعة دينه الذي يدّعي أنه يدافع عنه، لأنه يحولّه إلى كهنوت خالي من الروح، خالي من المنطق، خالي من الإنسانية. وختاماً، لأن سمر هي “أشجع امرأة في العالم”، فلا يحق لي أن أحثها على الصمود، لكن يحق لي فقط أن أتساءل، أي بطن عظيم أنجبك يا سمر؟