للميت ولله الحمد والمنة أعمال خير لا تنقطع حتى ولو بعد الممات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الأضحية والحجج والأوقاف التي يوقفها الواقف. وحيث إن الله تعالى قد أمر بمن حضر الوصية أن يصحح رغبة المُوصي إذا ابتعد عن الحق. لذا فإن للحاضر للوصية أن يبدي رأيه إن رأى جنفاً أو إثماً من الموصي قال تعالى: (فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) إذاً لا يثرب الشرع ولا يخطئ على من أراد الذهاب للحق لا سيما من حضر الوصية. وحيث إن الأحكام الشرعية قد تتغير بتغير الزمان والمكان فمن هذه الحيثيات مجتمعة أو منفردة يجوز أن يغير الحكم الشرعي تغييراً دائماً أو تغييراً مؤقتاً لا سيما إذا كان لهذا التغيير مسوغ وسبب آخر يُستقى هذا المسوغ أو السبب من فحوى الشريعة الإسلامية ومقاصدها. وعوداً على بدء إن بعض الموصين في بلادنا والبلدان الإسلامية كذلك أحياناً يوصون بأضحية أو حجة أو تحبيس أصل يُنفق ريعه على جهات محددة حددها الواقف. وإني أرى بكل تواضع أن بعض الوصايا اليوم يجب أن يعاد النظر في مصارفها لا سيما (وصية الأضحية والحجة) سواء كانتا للميت أو الحي. إن فائدة الأضحية اليوم أرى أن حكمها الشرعي قد يوجد حكماً شرعياً آخر هو أظهر، كحاجة الدولة الإسلامية للنفقة على الفقراء والمساكين وأمور أخرى.. لذا فإني أهيب بعلمائنا الأفاضل أن يوجهوا أنظار الموصين أو القائمين على تنفيذ الوصايا إلى تغيير جهة الوصية إلى ما هو أهم من «الأضحية أو الحجة» إن الدولة الإسلامية أحياناً تحتاج إلى النفقة على فقرائها ومساكينها، ويمكن للدولة أن تتحصل على هذه المساعدة من تغيير جهات بعض الوصايا والأوقاف وصرف مبلغها على أمور أهم وأكثر إلحاحاً والأجر بإذن الله سيقع للموصي بهذا أو ذاك. وأريد هنا أن أشدد على موضوع الأضحية ونحن على أبواب عيد الأضحى المبارك. أما بالنسبة للأضحية التي أنا بصددها في هذا المقال فإن للأضحية شأنا عظيما بمنزلة عظيمة من هذا الدين واقرأوا قول الله تعالى عنها (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( ) لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) فمن خلال هاتين الآيتين السابقتين نرى أن مشروعية الأضحية هي إطعام الفقير والمسكين. ونحن اليوم الفقير والمسكين ليس بحاجة ماسة إلى اللحم، بل هو بحاجة ماسة إلى أمور غيرها كالمسكن والسيارة ونفقة الإعاشة.. ما أود قوله هنا إنه أحياناً يكون هناك ضرورة ومسوغ جلي لتغيير الحكم الشرعي إما تغييراً دائماً أو تغييراً مؤقتاً متى ما زالت الضرورة الداعية لتغييره عدنا إليه مرة أخرى إذا كانت مقتضياته وأسبابه الأولى موجودة. إني أرى اليوم أن هناك أموالاً مهدرة قيمتها ولا مندوحة من ورائها وبنفس الوقت هناك ضروريات لزاماً على المجتمع أن يسد ثغرتها، كأموال الأضاحي والحجج والأوقاف الأخرى وهلم جرا.. إذاً من هذا المنطلق يجب إعادة النظر مرة أخرى في مصارف الوصايا والأوقاف. فكم من وصية عُطلت بسبب أن محلها غير موجود. إنه مع الأسف الشديد تتحرج المحاكم والقائمون على الوصايا ونُظار الأوقاف من تغيير وجهة الوقف أو الوصية! وهذا ربما يكون جهلا نابعا بمقاصد أحكام الشريعة!! وختاماً إنني في هذا المقال الذي أضعه على طاولة من يهمه الأمر أن يعيد النظر في موضوع الأوقاف والوصايا بحيث تحقق مقاصد الشريعة منها.. وإني واثق تمام الثقة في أن هذا الموضوع يهم شريحة كبيرة من الناس، وما هذا المقال إلا لفت نظر لأقلام هي أطول مني قامة وأكثر مني دراية في أحكام الله وشرعه.