دخل التحالف الدولي ضد «داعش» على خط المواجهة المتصاعدة بين نظام بشار الأسد والقوات الكردية، إذ أرسل مقاتِلاتٍ إلى الحسكة في وقتٍ أُجلِيَ فيه آلافٌ من سكانها. وواصلت مقاتِلاتٌ تابعةٌ للنظام أمس قصفَ مواقع في المدينة التي تعدُّ مركز محافظةٍ تحمل الاسم نفسه وتقع شمال شرقي سوريا. واعتبر سياسي كردي أن الأسد يبدو كما لو كان «يريد فتح حربٍ معنا»، مؤكداً تواصُل الغارات لليوم الثاني على «مواقع قواتنا والمدنيين». إرسال مقاتِلات للحماية وأعلن البنتاغون «وزارة الدفاع الأمريكية»، على لسان المتحدث الكابتن جيف ديفيز، إرسال قوات التحالف ضد «داعش» مقاتلاتٍ إلى أجواء الحسكة. وتسيطر القوات الكردية على نحو ثلثي المدينة منذ العام الماضي، وتتعاون على الأرض مع مستشارين أمريكيين، بينما يقع الثلث الآخر تحت سيطرة حكومة دمشق. وأخبر ديفيز الصحفيين في واشنطن بقوله «تم ذلك (إرسال المقاتِلات) كإجراء لحماية قوات التحالف» البرية، مشيراً إلى شنِّ النظام غاراتٍ الخميس، ومشدِّداً «على النظام عدم القيام بأمور تعرِّضهم (قواتنا) للخطر (…) وننظر بجدية بالغة للحوادث التي تعرِّض التحالف للخطر، ولدينا الحق الثابت في الدفاع عن أنفسنا». وذكَّر المتحدث «أعلنّاها بوضوح أن الطائرات الأمريكية ستدافع عن القوات على الأرض إذا تعرضت لتهديد»، فيما لفت إلى عدم وقوع إصابات. ووفقاً له؛ لم تقع إلى الآن عمليات اعتراض لطائرات حتى الآن، إذ وصلت طائرات التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة إلى المنطقة بينما كانت الطائرات الحربية السورية تغادر. تواصُل الغارات ولليوم الثاني على التوالي؛ تواصلت غارات النظام في الحسكة أمس مستهدِفةً مواقع للقوات الكردية، بحسب ما أورد المرصد السوري لحقوق الإنسان ومصادر محلية. في الوقت نفسه؛ نزح آلاف السكان خوفاً من القصف والمعارك. وكتب المرصد على الموقع الإلكتروني «طائرات النظام الحربية جددت الجمعة قصفها لمناطق في حي النشوة الغربية الخاضع لسيطرة القوات الكردية، كما استهدفت موقعاً لقوات الأمن الكردية (الأسايش)». ورصد صحفي محلي يتعاون مع وكالة «فرانس برس» 8 من هذه الضربات. بالتوازي؛ تدور منذ الأربعاء الماضي اشتباكاتٌ عنيفةٌ في المدينة نفسها بين قوات «الأسايش» من جهة وميليشيا «الدفاع الوطني» الموالية للأسد من جهة ثانية. يأتي ذلك على خلفية توتر إثر اتهامات متبادلة بتنفيذ حملة اعتقالات خلال الأسبوعين الأخيرين، وفق المرصد. وتصاعدت حدة الاشتباكات الخميس بعد تنفيذ طائرات النظام غارات على مواقع للأكراد في سابقةٍ هي الأولى منذ بدء النزاع في منتصف مارس 2011. ولاحظ المرصد أن القتال تواصل الجمعة في القسم الجنوبي من المدينة، متحدثاً عن أسرِ المقاتلين الأكراد عشرات من عناصر ميليشيا «الدفاع الوطني». وتسبَّبت الاشتباكات منذ اندلاعها في مقتل 23 مدنيّاً بينهم 9 أطفال، إضافةً إلى 9 مقاتلين أكراد و7 من عناصر «الدفاع الوطني»، وفق حصيلة جديدة. كما انقطعت الكهرباء، ولم يعد الخبز متوفراً في الأسواق. على الإثر؛ اضطر آلاف من السكان سواءً في الأحياء الواقعة تحت سيطرة الأكراد أو في تلك الواقعة تحت سيطرة النظام إلى النزوح، بحسب ما أفاد مدير المرصد، رامي عبدالرحمن. محاولة لفتح جبهة حرب فيما رأى السياسي الكردي، سيهانوك ديبو، أن الأسد يبدو كما لو أنه يريد «فتح حرب معنا»، مستدلّاً ب «استمرار النظام في قصف مواقع قواتنا والمدنيين». وشدد ديبو وهو مستشار رئاسة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري «سنقاوم أي هجمات تُشن ضدنا». وأخبرَ «فرانس برس» بقوله «قواتنا ساعدت المدنيين الذين اختاروا مغادرة المدينة بشقِّ طرق آمنة وتوفير بعض وسائل النقل إلى مناطق آمنة». وفي وقتٍ سابقٍ الخميس؛ ذكر مصدرٌ في الحسكة أن اجتماعات عدة عُقِدَت بين الطرفين «لاحتواء التوتر» لكنها أخفقت بعد مطالبة الأكراد بحلّ ميليشيات «الدفاع الوطني» في المدينة. واعتبر المصدر، الذي تحدثت معه «فرانس برس»، أن الضربات الجوية هي بمنزلة رسالة للأكراد للكف عن مطالبات مماثِلة. وتحدث مصدر آخر من النظام إلى الوكالة نفسها قائلاً «يجب ألا يحوِّلوا حلمهم بالحكم الذاتي إلى واقع». ومنذ 2012؛ انسحبت قوات الأسد تدريجيّاً من المناطق ذات الغالبية الكردية، فيما احتفظت بمقار حكومية وإدارية وبعض القوات لا سيما في مدينتي الحسكة والقامشلي. وفي مارس الماضي؛ أعلن الساسة الأكراد «النظام الفيدرالي» في مناطق سيطرتهم في الشمال السوري. ولحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المعروف ب (بي يي دي) نفوذٌ كبيرٌ في هذه المناطق، خصوصاً جناحيه العسكري «وحدات حماية الشعب» والأمني «الأسايش». وتشكل وحدات الحماية القوةَ الرئيسة في تحالف «قوات سوريا الديمقراطية» المدعوم أمريكيّاً، الذي يكتفي بقتال تنظيم «داعش» الإرهابي ويضم مقاتلين عرباً. وتمكَّن هذا التحالف من طرد التنظيم من مناطق عدة آخرها مدينة منبج في حلب «شمال». وفي إفادةٍ إعلاميةٍ للوحدات؛ ذكر المتحدث، ريدور خليل، أن السلطات المحلية الكردية أجلت آلاف المدنيين من مناطق في الحسكة تتعرض لضرباتٍ جوية وقصفٍ مدفعي من جانب قوات النظام. وتحدث خليل عن مقتل المدنيين خلال ال 48 ساعة الماضية. ووصف المعركة بأنها الأشرس بين الوحدات الكردية وحكومة دمشق منذ بدء النزاع قبل 5 سنوات، مشدِّداً «الحسكة تشهد حرباً حقيقية الآن». ومعظم الذين تم إجلاؤهم من النساء والأطفال، فيما ينخرط «كل من يستطيع حمل السلاح في قتال النظام وعصاباته»، بحسب خليل الذي استطرد «موقفنا حتى الآن دفاعي، لكنه سيتغير كليّاً إذا استمر النظام في التصعيد بهذا الشكل». وكان الطرفان يتجنَّبان معظم الوقت المواجَهة بينهما، رغم وقوع اشتباكات متقطعة بينهما غالباً ما كانت تنتهي بتسويات عُرفية. ولدى «وحدات حماية الشعب» أولويةٌ في القتال هي السيطرة على المناطق التي تقطنها أغلبية كردية في الشمال وحمايتها. وبينما تسيطر الوحدات على أغلب الشمال الشرقي؛ يحافظ النظام على وجودٍ له في الحسكة والقامشلي على الحدود مع تركيا. وهذه ثاني معركة كبرى بين الطرفين هذا العام. ففي أبريل؛ خاضا معارك دامية على مدى أيام في القامشلي شمالي مدينة الحسكة، إذ تسيطر الوحدات على معظم القامشلي أيضاً. وسبب تجدُّد المواجهة هذه الأيام هو احتجاز مسلحين موالين للنظام شباناً أكراداً في تحرك جاء بعد تقدم الأسايش صوب مناطق تحت سيطرة الحكومة»، بحسب المرصد. ولاحظ مدير المرصد، رامي عبدالرحمن، أن القوات الكردية تحقق خلال المواجهات التي اندلعت على الإثر مكاسب في الشطر الجنوبي من الحسكة. وتطابق ذلك مع ما أدلى به المسؤول الكردي في تحالف قوات سوريا الديمقراطية، ناصر حاج منصور. وأبلغ منصور عن انتزاع القوات الكردية السيطرة على مبانٍ من الحكومة بينها كلية للاقتصاد. وفيما يتعلق بمعالجة المصابين؛ أبان عبدالرحمن أن المستشفيات في المواقع الكردية لا تحتوي على ما يكفي من الدم والأدوية. ترحيب حذر بالهدنة على صعيدٍ آخر؛ أبدت الهيئة العليا للمفاوضات، المظلَّة الرئيسة للمعارضة السورية، ترحيباً حذراً باقتراح هدنة ل 48 ساعة أسبوعيّاً في مدينة حلب. لكن الهيئة اشترطت خضوع المقترح، الذي ستشارك روسيا في تطبيقه، لإشراف الأممالمتحدة للسماح بوصول المساعدات إلى المناطق المُحاصَرة من جانب قوات الأسد. يأتي ذلك فيما اعتبر برنامج الأغذية العالمي أن الوضع في المدينة، التي تضم حالياً قرابة مليوني مدني، بات «غير إنساني ومقززاً ومروِّعاً وكابوسيّاً». كانت موسكو، أقوى حليف عسكري للأسد، أعربت الخميس عن دعمها الدعوة الأممية إلى هدنة ال 48 ساعة أسبوعيّاً بدءاً من الأسبوع المقبل. وشددت الهيئة العليا للمفاوضات في بيانٍ لها «ترحب الهيئة بأية مبادرة تحقن دماء السوريين وتسهم في إيصال المساعدات للمناطق المحاصرة شريطة الالتزام الفعلي بها وفق آلية أممية للمراقبة وضبط الامتثال». وخلال هدنة إنسانية سابقة هذا العام؛ شكت المعارضة من خرق الطرف الآخر اتفاقَ وقف القتال. والشهر الماضي؛ سيطرت فصائل معارِضة مسلحة على منطقة الراموسة التي تضم مواقع عسكرية استراتيجية في حلب، لتكسر حصاراً فرضه النظام ل 3 أسابيع على الأحياء الشرقية من المدينة، ما أدى إلى هجمات مضادة عنيفة، فيما تقع الأحياء الغربية تحت سيطرة قوات الأسد. وتقول الأممالمتحدة إن وصول المساعدات توقَّف مؤخراً، ما يستلزم هدنة أسبوعية. وتحدث قيادي كبير في المعارضة عن أجواء إيجابية تحيط بمحادثات وقف إطلاق النار، لكن لم ترد تفاصيل حتى الآن. ولفت زكريا ملاحفجي، وهو مسؤول في حركة «فاستقم» في حلب، إلى تعبير المعارضة عن استعدادها للتعاون مع أي هدنة. واستدرك «لكن الطائرات الروسية تقصف المدينة بشكل مكثف منذ صباح الجمعة». كما لاحظ محاولة قوات الأسد التقدم في منطقة أكاديمية القوات الجوية ومواقع أخرى، وهي مناطق سيطرت المعارضة عليها في جنوب غرب حلب. واعتبر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن المعارك المتواصلة في هذه المنطقة بلغت أشدَّها. ورغم أن تقدُّم المعارضة هناك فتحَ ممرّاً ضيقاً إلى الأحياء الشرقية الواقعة أصلاً تحت سيطرتها؛ لا يزال الوصول إلى هذا الشطر محدوداً وخطِراً، ما يعني شح إمدادات الإغاثة. وشددت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي بيتينا ليوشر «من المهم للغاية أن نذهب هناك لأن الناس يائسون تماماً.. إنه غير إنساني ومروع ومقزز وكابوسي، هذه ليست بالضرورة كلمات الأممالمتحدة لكن هذا هو الوضع». في سياقٍ يتصل بالأزمة؛ كشفت روسيا أمس عن قصفها مواقع في سوريا انطلاقاً من سفنها الحربية المنتشرة في البحر الأبيض المتوسط. يأتي ذلك بعدما بدأت القوات الروسية الثلاثاء الماضي استخدام قاعدة همدان الجوية في إيران في إقلاع قاذفاتها للغرض نفسه.