رعاية شؤون جميع أفراد الأسرة في آن واحد، مهمة ليست سهلة، حتى وإن بدت من بعيد كذلك، و تحتاج إدارتها لأفراد جادين ومخلصين، يدركون قيمة وأهمية تكوين الأسرة وتنشئتها داخل المجتمعات، وكيف ترتبط جودة إعدادها بصناعة أُمم متحضرة. والأمم المتحضرة تعي جيداً، أهمية الاستثمار في الإنسان، لأنه الكائن الوحيد المخول ببنائها ، فإن تم الاستثمار في تعليمه جيدا. ازدهرت الدول ونمت، وإن تم إهمال تأسيسه بإتقان، هبطت الدول وتدهورت وفتك بها الجهل والفقر. ولقد بدأت كثير من الدول بالاستثمار بشكل مكثف في تعليم الفتيات الصغيرات قبلنا، فذلك لإدراكهم بأن مهمة تربية النصف الآخر للمجتمع، سيتم على أيدي الفتيات. منذ ستة أشهر تقريباً، طالبت في مقال سابق بعنوان (وزارة لشؤون الأُسرة)، بضرورة وجود وزارة بأكملها تعني بشؤون الأسرة، في ظل هذا التغيير الدرامي المؤسف، الذي طرأ على بعض الأسر، وقوض كيانها. وحين صدر قرار إنشاء «مجلس لشؤون الأسرة» كانت سعادتي كبيرة، وطموحي أكبر لرؤية أداء ذلك المجلس. الذي يهدف إنشاؤه لتعزيز مكانة الأسرة في المجتمع بشكل رسمي. لأن الأسر القوية، تنتج مجتمعات مترابطة، قادرة بدورها على صناعة حضارة الدول. وعلى الرغم من فشل بعض الأُسر، وتدهور العلاقات بين أفرادها، علينا أن نعترف بأن الأم السعودية التي نعرف مازالت امرأة عصامية، من شأنها أن تقود أفراد أسرتها للنجاح، لصمودها الملموس، في كثير من الأوقات الصعبة بمفردها، على الرغم من ضعف الإمكانات المتاحة أمامها. و ربما أثبتت بعض تجاربنا الشخصية معها، بأن تلك المقدرة تتولد، بدافع محبتها لإخوانها ولوالديها، وتتطور في وفائها لزوجها، وإخلاصها لأبنائها وأحفادها ووقوفها بجانبهم للنهاية. وإذا أخذ المسؤول، بعين الاعتبار بأن القيام ببعض المهام، يتطلب مهارات معينة لإنجازها مثل «الذكاء العاطفي»، لن يجد أفضل من الاستثمار في المهارات المتعددة للمرأة، التي تمتاز بها كثير من الأمهات القياديات، سواء كانت عاملة أو ربة منزل، فلو تم توظيف الذكاء العاطفي لديها، وتمكينها في الوظائف القيادية لمجلس شؤون الأسرة، ستعتبر خطوة إضافية نحو الطريق الصحيح، الذي من الممكن أن تتخذه الدولة، لأن أحد أهم الأسباب التي تؤهل المرأة لتكون المربية والمعلمة، هو قدرتها على تفهّم الآخر والإحساس به. وإن اتبع المجلس الجديد نفس النهج التقليدي في الأداء المُتبع في الوزارات سابقاً، لن يحرز أي تقدم يهتم بتطوير الأسرة، أو يساهم في إعادة ترتيب وصياغة مفاهيمها ويذكر بدورها داخل هذا المجتمع. وإن لم تكن المرأة على رأس كل قسم داخل المجلس لن يُزهر، ولن يحقق أي جزء من الأهداف التي وجد من أجلها. بل سيبقى مثل أي مجلس وهيئة ولجنة سابقة، يُعين بها موظفون، يستمعون لأنفسهم بنفس العقلية في كل اجتماع، دون أن ينصتوا للرأي الآخر، ثم يُصرحون ويُعلنون آراءهم في الإعلام، دون أن نلمس لهم إنتاجا فعليا على أرض الواقع. ومازلت أطمح بأن يكون للمجلس، أقسام تعني بكل فرد من أفراد الأسرة، مثل أن يكون هناك قسم خاص يعني بالطفل، يُحدد فيها الحقوق والواجبات والحماية والدور المتوقع منه داخل المجتمع، قبل تخرجه وبعده. وقسم خاص بالمرأة، يُحدد فيها الحقوق والواجبات والحماية. والأهم أن يكون من ضمن مهام ذلك القسم، دور جوهري في إلغاء كل مظاهر التميز ضد المرأة، يعمل على توعية النساء بحقوقهن، والدفاع عن مكاسبهن، وتغيير منطق القصور السائد ثقافيا، بتحقيق المواطنة الكاملة. ولتحقيق أكثر من ذلك، ربما ينبغي أن يفكر المسؤول عن المجلس في المرحلة القادمة ، بالتوسع والخروج بالأسرة لوزارة مستقلة لتمنحها المزيد من التخصص والتركيز و المرونة. ومن الضروري أيضاً، أن يحوي مجلس شؤون الأسرة على مركز للبحوث، قادر على إجراء الدراسات والبحوث التي تخص الأسرة في مجتمعنا، ليواكب جميع المستجدات والتطورات الاجتماعية، التي من الممكن أن يكون لها تأثير، في تغير نمط وأسلوب حياة أفرادها. و أن يحوي أيضاً على مركز إعلامي، موجه لجميع أفراد الأسرة، يتخصص في التثقيف والتوعية بشكل يتطور باستمرار، ليخرج عن الأساليب النمطية المملة. كما ينبغي أن يولي المركز الإعلامي الذي نأمل، عناية مكثفة بجميع متطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة، لتثقيف المجتمع بجميع شرائحه بهمومهم، ومشاعرهم، وظروفهم واحتياجاتهم. و الأهم أن لا ننسى بأن المجتمع السعودي كما استطاع حماية وطنه، والوقوف على قلب رجل واحد ضد الطائفية وزعزعة الاستقرار وشق الصف، فهذا يعني بأنه قادر بإذن الله على بناء مجتمع متوازن، يحرص على المساواة بين أفراده، في الحماية و الحقوق والواجبات، دون أن يطغى طرف على آخر.