قبل بضعة أيام؛ كانت قرية جاه أنجير الواقعة بأكواخها الطينية في جنوبأفغانستان ساحةً لمعركةٍ طاحنة. وصدَّت قوات الأمن الحكومية هجماتٍ نفَّذها مسلحون من طالبان زحفوا صوب القرية التي تبعُد 10 كيلومترات فقط عن لشكركاه عاصمة إقليم هلمند. لكن مدارس جاه أنجير مازالت مغلقة، فيما يخشى كثيرٌ من السكان الفارين العودة إلى منازلهم. وتُعدُّ هلمند، أحد معاقل حركة طالبان المتمردة وقلب تجارة المخدرات المربحة، هدفاً استراتيجيّاً للمسلحين، إذ يرون أن الاستيلاء على عاصمة الإقليم سيكون تقدُّماً كبيراً لهم. وتحدَّث جنودٌ شاركوا في صدِّ الهجوم الأخير على جاه أنجير عن المعركة بين مقاتلي الحركة المتمردة الذين ظهروا في صورة قواتٍ منظَّمة مدرَّبة جيداً والقوات الخاصة الأفغانية المدعومة بضربات جوية أمريكية. وذكر سيد مراد، وهو أحد قادة القوات الخاصة الحكومية، أن «طالبان لديها وحدات مسلحة بأسلحة ثقيلة ترتدي زيّاً عسكريّاً موحداً، ولديها أسلحة حديثة ومزوَّدة بتقنية الرؤية الليلية». وعلى مدى أكثر من عقدٍ من التدخل الدولي؛ كان إقليم هلمند أكثر الأقاليم التي شهدت سقوط قتلى من القوات الأجنبية، حيث قُتِلَ فيه ما يقرُب من ألف جندي أجنبي. ويواصل المتمردون هجماتهم حول لشكركاه. لكن التعزيزات الحكومية والضربات الجوية الأمريكية كان لها الفضل في منع هزيمة المدافعين عن المدينة. وتسعى طالبان إلى جعل لشكركاه ثاني عاصمة إقليمية تستولي عليها منذ الإطاحة بحكمها في عام 2001 إثر حملة عسكرية قادتها الولاياتالمتحدة. وسيطر مسلحو الفترة لفترةٍ وجيزةٍ في أكتوبر الماضي على مدينة قندوز الشمالية، قبل أن تطردهم منها القوات الحكومية بدعمٍ أمريكي. ولاحظ نائب وزير الداخلية الأفغاني، الجنرال عبدالرحمن رحمن، أن هلمند إقليم استراتيجي بالنسبة لطالبان «لذا فإن مقاتليها مصممون على مواصلة الزحف». وشرح سيد مراد «من أجل الوصول إلى ذلك الهدف؛ نشرت الحركة المتمردة وحدة حمراء متخصصة قيل إنها مجهزة بأسلحة متقدمة مزودة بأجهزة رؤية ليلية وصواريخ ورشاشات ثقيلة وبنادق أمريكية الصنع». لكن المتحدث باسم الجيش الأمريكي، البريجادير تشارلز كليفلاند، أفاد بعدم توصل التحالف الذي يقوده حلف شمال الأطلسي إلى «أي دليل على هذه القدرة». وصرَّح كليفلاند «ربما شاهدت القوات الأفغانية المقاتِلة في الصفوف الأولى قواتِ طالبان وهي تستخدم تقنية الرؤية الليلية، لكن التحالف لم يجد أي دليل»، مستطرداً «كثيراً ما تنشُر الحركة معلومات خاطئة وتضخِّم من قدراتها في مسعى لتخويف الأفغان». وفي وسط لشكركاه؛ فتحت معظم الشركات أبوابها كالمعتاد يوم الجمعة الماضي. لكن السكان وآلاف اللاجئين الذين نزحوا بسبب القتال عبَّروا عن خوفهم الدائم بسبب نشاط المتمردين على مقربةٍ من المدينة. وعلَّق عبدالباري، وهو أحد سكان منطقة ناد علي، قائلاً «هربت من بيتي وتركت خلفي كل شيء، سئمنا من هذا الوضع ومن الأفضل أن نموت يوماً بدلاً من أن نموت كل يوم». بدوره؛ اتهم حاكم الإقليم، حياة الله حياة، المسلحين المتمردين بزرع عبوات ناسفة بصورة عشوائية واستخدام السكان كدروع بشرية. وحاول حياة طمأنة المدنيين قائلاً «أطمئن الناس في هلمند بأنهم (طالبان) لن يقدروا على اجتياح مناطقنا ناهيك عن الاستيلاء على لشكركاه». وربما تمنح مثل هذه التطمينات بعض الراحة للسكان الذين أنهكهم الصراع المتواصل. وأوضح مدنيّ يُدعَى عبدالخالق «نفضل أن نعيش في ظل هذه الحكومة وليس طالبان لكن قطعاً ليس في مثل هذا الوضع الحالي». ويلقي المسؤولون باللائمة في تأجيج الصراع على عناصر نشطة على طول الحدود تدعم المتمردين بأفضل الأسلحة. واعتبر مسؤول حكومي كبير في لشكركاه أن «هؤلاء ليسوا من مقاتلي طالبان العاديين الذين يحمل كل منهم بندقية كلاشنيكوف، بل هم أكثر تدريباً وأفضل عتاداً». واستمرار العنف يعني أن هلمند ستظل نقطة ضغط بالنسبة للقوات الحكومية المنتشرة على نطاق واسع والقوات الدولية المساندة لها. ويتخذ مئات المستشارين العسكريين الدوليين من قواعد في الإقليم مقرّاً لهم. وشنت الطائرات الأمريكية خلال الأسبوعين الأخيرين ما لا يقل عن 20 ضربة جوية. وحتى إذا استمر الهدوء المؤقت للقتال حول لشكركاه؛ فإن المدنيين يشكّون في قدرة الحكومة على التوصل إلى سلامٍ في وقت قريب. وعلَّق صاحب أحد المتاجر «سواءً تخلصت الحكومة من طالبان أو جعلتهم يحكمون.. فإننا ما زلنا نكتوي بهذه النار منذ أعوام ولا نعلم أي وضع أسوأ من ذلك».