أكد مختصان في مجال حقوق الإنسان أن حماية حقوق الإنسان وتعزيزها في المملكة آخذة في التطور بخطى متسارعة وفق مبادئ الشريعة الإسلامية، وأن توجهاتها في هذا المجال بعيدة كل البعد عن الانتقائية والتسييس، لافتَيْن إلى أن تحسين حقوق الإنسان جزء أصيل من أي مشروع وطني للتطور والتقدم، وهو يبدو جلياً في كثير من الإنجازات التي تحققت على صعيد ترسيخ المفاهيم ووضع القوانين والأنظمة الكفيلة بحماية حقوق الإنسان. وقال رئيس الجمعية السعودية لحقوق الإنسان الدكتور مفلح القحطاني، ل»الشرق»، إن حماية حقوق الإنسان وتعزيزها في المملكة تنطلق من مبادئ الشريعة الإسلامية، وفق ما نصت عليه المادة 26 من النظام الأساسي للحكم، لذا فإن أي حراك يهدف إلى حماية حقوق الإنسان في المملكة نابعٌ من إرادة ذاتية، وهذا ما جعل المملكة تتميَّز عن غيرها، إذْ أنَّ توجهها في التعاطي مع مسائل حقوق الإنسان بعيدٌ كل البعد عن الانتقائية والتسييس اللذين تفتقر إليهما بعض التوجهات العالمية، التي لا تحظى بالقبول في أحسن الأحوال، وهذا التميّز يكمن في احترام المملكة لمبدأ التنوع الثقافي الذي تتفرد به شعوب العالم، وهو ما أكّده المؤتمر العام لليونسكو في عام 1966م. وفي الوقت الذي يعتقد فيه بعضهم أن مشروع حقوق الإنسان هو في مجمله منتج ثقافي غربي، قال القحطاني: تؤكد المملكة دائماً أن مبدأ حقوق الإنسان ينبع أساساً من صميم ثقافتنا الإسلامية والعربية الأصيلة، فالمملكة عضو مؤسس في الأممالمتحدة، وساهمت مساهمةً فاعلة أبرزت من خلالها مبدأ التنوع الثقافي في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م، حيث كانت المادة «الأولى» منه تنص على أنه «يولد الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق..، وقد وهبتهم الطبيعة عقلاً وضميراً..»، فاعترض الملك فيصل (رحمه الله)، الذي كان يرأس وفد المملكة آنذاك، على هذه الصياغة وطالب بتعديلها بمساندة بعض الدول العربية والإسلامية، فأصبحت بعد التوافق: «يولد الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق..، وقد وُهبوا عقلاً وضميراً..»، كما أن المملكة أول من دعا إلى حق الشعوب في تقرير المصير في ظل التجاهل السائد من قِبل قوى تحرص على استمرار الاستعمار، وكان ذلك أمام اللجنة الثالثة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1950م، وغير ذلك من الشواهد التي تدل على أن حقوق الإنسان هي من صميم ثقافتنا الإسلامية والعربية الأصيلة. وأشار إلى أن هناك تقدماً كبيراً في عديد من مجالات حقوق الإنسان في المملكة سواء في الحق في التعليم أو الصحة أو الضمان الاجتماعي أو المشاركة السياسية، خاصة فيما يتعلق بالمرأة بوصولها ل»الشورى» والمجالس البلدية. لافتاً إلى اكتمال البنية القانونية والمؤسساتية لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها في المملكة في الوقت الحالي، من خلال سن عديد من الأنظمة والقوانين التي تحمي الحقوق، وتبين الإجراءات الواجب اتخاذها في حالة رصد تعدٍّ أو انتهاك لحقوق الأفراد، التي كان آخرها نظام الحماية من الإيذاء ونظام حماية الطفل ونظام المؤسسات والجمعيات الأهلية، أنشئت جهات متخصصة في مجال حماية حقوق الإنسان ونشر ثقافتها. وقال القحطاني إن هيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان تسيران في خطين متوازيين فيما يتعلق بنشر ثقافة حقوق الإنسان، ومن خلال الأدوات المعرفية في برنامج نشر ثقافة حقوق الإنسان، التعريف بمسيرة حقوق الإنسان التاريخية التي توضح بجلاء سبق الشريعة الإسلامية التي تدين بها المملكة وتستمد جميع الأنظمة منها لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها وأنها حرمت كل انتهاكٍ لها، وأوجدت فضاءً رحباً يتسع لكل ممارسة تلتقي وهذا الهدف الذي هو أحد مقاصدها، وطالما أن التعاون يستهدف مصلحة الإنسان وخطاب الإسلام دائماً موجه إلى الإنسان وترى المملكة أن التعاون في هذا المجال واجبٌ شرعي، خاصة إذا كان دفاعاً عن مظلوم أو نصرة لحق، لذا فهي تسعى إلى أن تكون حقوق الإنسان ذات مدلول بشري إنساني عادل بعيدة عن كل محاولات التسييس والاستغلال. واعتبر القحطاني أن بعض التقارير الدولية التي تصدر أحياناً، مثل تقارير الخارجية الأمريكية، تمثّل وجهات نظر أصحابها، كما أنها تفتقر إلى معرفة ما لدى الشعوب والدول من أسس ومبادئ تستند إليها، فمن الأدوات التي يستعان بها في إعداد تلك التقارير هي استبانة موحدة الشكل والمضمون تعمم على جميع دول العالم، إضافةً إلى عدم فهم معدِّي تلك التقارير لكثير من المحدّدات على أساس الواقع، فالمملكة في نظر من يصدر مثل هذه التقارير لتطبيقها الشريعة الإسلامية دولة دينية، بينما هي في الحقيقة دولة حديثة تقوم على مبادئ الشريعة الإسلامية. من جهته، قال عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة الملك سعود نائب رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور صالح الخثلان، ل»الشرق»، إن المملكة حققت نقلة واضحة في مجال حقوق الإنسان خلال السنوات العشر الماضية، إلا أن ما شهده العالم العربي من تحولات سياسية وأمنية كبرى انعكس سلباً على هذه المسيرة، وتسبب في تباطؤها، ليس فقط في المملكة، ولكن في كافة الدول العربية. كما أنه، ونتيجة لتراجع مداخيل النفط، كانت الأولوية القصوى للإصلاحات الاقتصادية والمالية. معبراً عن أمله في أن يكون تحسين حقوق الإنسان ضمن برنامج التحول الوطني 2030 باعتبارها جزءاً أصيلاً من أي مشروع وطني للتطور والتقدم. وعن أهم المنجزات التي حققتها المملكة في هذا المجال، أشار الخثلان إلى انضمام المملكة لعدد من المعاهدات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، مثل الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري، والاتفاقية الدولية لمكافحة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية مناهضة التعذيب وجميع أشكال المعاملة اللاإنسانية وغيرها منها اتفاقيات دولية وإقليمية، وكذلك إنشاء مؤسسات تُعنى بتعزيز وحماية حقوق الإنسان، وتتمثل في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وهيئة حقوق الإنسان، وتطوير مرفق القضاء لضمان محاكمات عادلة، إضافة إلى حصول المملكة على عضوية مجلس حقوق الإنسان في الأممالمتحدة لثلاث فترات، وأيضاً تشريع وتطوير عدد من الأنظمة لتعزيز حقوق الإنسان، ومن ذلك نظام حماية الطفل.