ما عجزت عنه الكتب والمحاضرات واللقاءات وضجيج الكلام المتراكم؛ فعلته حلقة واحدة، واضعة «يزيد» أمام «عبدالزهرة» و «الشيخ» مقابل «السيد» في مقارعة صادمة، تُسمّي الأشياء بأسمائها، وتضرب بها عرض الحائط. حلقة واحدة تتقابل مشاهدها، المشهد قُبالة الآخر، لتشخِّص الأورام كما هي، وتحطّم الصندوقين المغلقين..! هذا ما فعله ناصر القصبي وفريقه، مساء البارحة، حين صدم المشاهدين، بعد الإفطار مباشرة، بما ليس بإمكانهم المجاهرة به حتى فيما بينهم. نبش المسكوت عنه نبشاً تامّاً، صارح المجتمع، ولم يُهادنه، أو يتواطأ معه على إقرار الأورام. أصرّ على أن يقول إن «السنة ليسوا أعداءً للشيعة، والشيعة ليسوا أعداءً للسنة»، فالعدوّ هو التعصّب والتطرُّف والإقصاء والتمييز.. العدوّ هو من يجني ثماراً من وراء الاحتراب والتخندق. ولن يجني السنة ولا الشيعة شيئاً من هذه الثمار..! وضَع القصبي نظّارة واحدة بعدستين اثنتين. ووقف أمام كاميرا ال «سيلفي» كما هو. الصورة واضحة بالنسبة له، ليست بعين واحدة. والعينان تكشفان عن منطقة الخلل الأول، منطقة التربية التي تصوّر الآخر عدوّاً لا يمكن مصالحته أو التعاطي معه. حلقة واحدة اختزلت رؤيتها قروناً عتيدة مشحونة بالمؤلفين والخطباء والوعّاظ والمحذّرين والمتشنجين على غير جدوى. حلقة قطّعتها الإعلانات التجارية تقطيعاً، لكنّها نجحت في جمع الناس على مائدة واحدة، مائدة الحقيقة المرّة. حلقة واحدة انتفضت بها الناس انتفاضاً، ليملأوا مواقع التواصل الاجتماعي تصفيقاً، ليس لناصر القصبي وجرأته وتقمّصه الدور ببراعة، بل صفّقوا لكسر الصندوقين والتحرُّر منهما. فما حدث ل «يزيد» و«عبدالزهرة»؛ هو عينه ما يحدث للمجتمع في يوميّاته المضجرة. الشابّان الضحيتان هما الرمزان الأكثر تعبيراً عن التضادّ والتصادم بفعل تحكيم التاريخ القديم على قضايا الواقع والمستقبل. من حقّ الأجيال ألا تستمرَّ على حالها بين «يزيد» و«عبدالزهرة». من حقّ الشيعة والسنة أن يعرفوا أن الإسلام أشمل من المذاهب، وأرحب وأكثر اتساعاً للاختلاف، وأن المعضلة ليست في الاختلاف الحتميّ، بل في جعل هذا الاختلاف أساساً للتنافر والاحتساب غير المسؤول. ما فعله سيلفي2 مساء البارحة؛ هو مُصارحةٌ، أساسها «فقد قيلَ لنا عنكم، كما قيلَ لكم عنّا». ومن حقّ الناس أن يفهموا أن ما يُقال عن الآخر ليس أكثر من إضافة جيل جديد إلى أجيال الشحن.