منذ انتخابه رئيسا لأمريكا، يلاحق الصحفيون الرئيس باراك أوباما في محاولة للحصول على إجابة شافية للسؤال التالي: “ما هي عقيدة أوباما؟” ومع أنه استطاع ببراعة أن يتجنب الإجابة على السؤال طوال جزء كبير من فترة رئاسته الأولى، يبدو الآن أن هناك في الواقع لباراك أوباما عقيدة مكتوبة على الورق في صورة ما يسمى “توجيه دراسي رئاسي 10′′ (PSD-10). في 4 أغسطس 2011، أصدر أوباما التوجيه الرئاسي رقم 10 (PSD-10) إلى كبار أعضاء حكومته، فريق الأمن القومي، ومديري وكالات الاستخبارات. موضوع (PSD-10) كان “تأسيس مجلس مشترك بين الوكالات لمنع الفظائع ومراجعة مطابقة مشتركة بين الوكالات”. الوثيقة بدأت بجملة تعريفية بسيطة: “منع الفظائع والإبادات الجماعية مصلحة أساسية في الأمن القومي ومسؤولية أخلاقية جوهرية لأمريكا”. من أجل تحقيق هذه “المصلحة الجوهرية”، أعلن الرئيس أنه بعد مرور “66 عاما على الهولوكوست و17 عاما على مذابح رواندا، لا تزال أمريكا تفتقر إلى إطار سياسة شاملة وآلية مماثلة مشتركة بين الوكالات لمنع والرد على الفظائع والإبادات الجماعية. هذا تركنا غير مستعدين بما فيه الكفاية للتعامل بشكل مبكر وفعال لمنع التهديدات من التطور إلى فظائع مدنية على إطار واسع”. لمعالجة هذا العيب المزعوم، أصدر أوباما تعليماته ل”إنشاء مجلس مشترك بين الوكالات لمنع الفظائع” وفوض بإجراء مراجعة حول كيفية إنشاء المجلس، وكلف مدير جرائم الحرب، الفظائع وحماية المدنيين في مجلس الأمن الدولي، دافيد بريسمان، بإدارة هذا المجلس. قبل التصفيق التلقائي لما يقوم به الرئيس، هناك عدة اعتبارات يجب أن تتم معالجتها أولا. الاعتبار الأول يتعلق بالإطار الذي تم ضمنه إصدار التوجيه الرئاسي (PSD-10). في أغسطس 2011، كان أوباما يواجه تمردا في الكونجرس بسبب رفضه السعي للحصول على موافقة الكونجرس من أجل التدخل الأمريكي في الحملة العسكرية الهادفة إلى الإطاحة بالديكتاتور الليبي معمر القذافي من السلطة. سواء كنت مع أو ضد القذافي، لاتزال الحقيقة هي أن الرئيس رفض بشكل صارخ السعي للحصول على موافقة الكونجرس للقيام بعمل عسكري. حسب المادة 1، البند 8 من الدستور الأمريكي، يملك الكونجرس السلطة الوحيدة لأخذ البلاد إلى الحرب. للتعامل مع مرحلة ما بعد سابقة حرب فيتنام للحروب غير المعلنة، أصدر الكونجرس في منتصف السبعينيات من القرن العشرين قرار سلطات الحرب، وهو يعيد التأكيد على واجب الرئيس بالحصول على موافقة الكونجرس قبل أن يعرض الجنود الأمريكيين للخطر. ليس هناك رئيس أمريكي قبل باراك أوباما انتهك الدستور بهذا الشكل الصارخ، وذلك بإرسال الجيش الأمريكي إلى الحرب في ليبيا بدون موافقة الكونجرس. بتوقيعه التوجيه الرئاسي (PSD-10)، سعى أوباما إلى تجاوز الدستور الأمريكي، وذلك من خلال إصراره على أن “مصلحة الأمن القومي الجوهرية” في منع الإبادة تنسخ كلا من الدستور وميثاق الأممالمتحدة الذي يمنع الحروب الوقائية. أوباما لم يخترع مفهوم العمل العسكري الوقائي أو الاستباقي لتجنب فظائع جماعية مستقبلية محتملة. في خطاب له في شيكاغو في إبريل 1999، وسط حرب كوسوفا، أعلن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير أن العمل العسكري في كوسوفا شكل نهاية السيادة الوطنية المطلقة. بلير ادعى في مصطلحاته التي تتسم بالمبالغة، أننا دخلنا عالم ما بعد ويستفاليا. اتفاقية سلام ويستفاليا عام 1646، التي أنهت ثلاثين عاما من الحرب، أسست مبدأ السيادة الوطنية لأول مرة في تاريخ أوروبا. أوباما، وهو صديق مقرب من رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، لم يخترع مبدأ التدخل الإنساني. لكن عددا من كبار مستشاريه يتحدثون كثيرا عن المبدأ، والذي يشار إليه بعدة أسماء مثل: “التدخل الإنساني،” و”مسؤولية الحماية”. السفيرة الأمريكية في الأممالمتحدة سوزان رايس هي إحدى أبرز المعارضين لهذه الفكرة. مستشارة البيت الأبيض سامانثا باور من المعارضين لها أيضا. معارضة أخرى للمبدأ هي المسؤولة السابقة في وزارة الدفاع الأمريكية سارة سويل، التي عادت مؤخرا إلى عملها كعضو هيئة تدريس في جامعة هارفارد، حيث تقود مركز أبحاث مكرس لنشر عقيدة التدخل الإنساني. يتضح الآن، ومنذ اللحظة التي تم تنصيبه فيها رئيسا لأمريكا، أن أوباما يسعى وراء منع الفظائع. منذ عام 2009، تلقى مدير الاستخبارات الوطنية أوامر لتقديم جزء خاص يتعلق بالأزمة الإنسانية الوشيكة، كجزء من تقييم التهديد العالمي السنوي. عندما أدلى مدير الاستخبارات الوطنية بشهادته أمام لجنة الخدمات المسلحة في 16 فبراير 2012، قال لأعضاء مجلس الشيوخ إن مكتبه جمع قائمة من ثمانين بلدا حيث يوجد احتمال قوي حدوث فظائع جماعية خلال السنوات الخمس القادمة. ثمانون بلدا؟ يبدو الرقم وكأن أي بلد يمكن أن يصبح هدفا للتدخل العسكري على أساس “إنساني” لتوفير الحماية في وجه احتمال أحداث قتل جماعية مستقبلية -سواء كان الاحتمال حقيقيا أو خياليا-. عقيدة أوباما الصاعدة يبدو أنها تؤكد أن أي بلد يرد اسمه على قائمة البلدان التي قد تشهد فظائع إنسانية جماعية، فإن من الممكن أن يتعرض للغزو، أو يتعرض لعقوبات اقتصادية ودبلوماسية قاسية، أو كلتيهما معا. ولكن من يختار البلدان التي سوف يتم استهدافها من أجل تغيير النظام على أساس منع حدوث فظائع جماعية مستقبلية محتملة؟ هل أعلن أوباما عن تنصيب نفسه ومجلس منع الفظائع التابع له كقضاة يقررون في النهاية أي الأنظمة تنجو وأي الأنظمة سيتم الإطاحة بهاعلى أساس جرائم لم يتم ارتكابها بعد؟ هذا منحدر زلق بالفعل.