الليالي السوداء أولا لا تعني أوقاتا سيئة نعطيها لوناً معيناً، ولكن الليالي بالفعل يخيم عليها اللون الأسود، وفي عتيمها يكمن الصبح أو كما قال شاعر الليالي الوضح متغنيا بالرياض. أحيانا أحب أن أملأ صفحة المقال بالبياض، أي أن لا أكتب شيئا، وهو شعورٌ يراود كل من داعب القلم فناً لا غواية، ومن مارس الكتابة همّاً لا هواية، كل ما في الأمر أن من يقرر أن يفعل ذلك، يعود ليملأ البياض بالسواد ليعلن قراره ثم يعود ليبرر ذلك فيجد نفسه مرة أخرى في وعثاء الكتابة. الكتابة قَدر الكاتب، والهموم مداد أقلامه، وشواطئ السعادة وجهته، ومراسي التناقضات منطلقه، لذا لا تلوموا الكاتب طالما كانت التناقضات تحرك الأمواج الراكدة وتستنهض عزم السفن. قد تبدو الأمواج أقوى من احتمال مراكبنا، لكن المحاولة في الوصول للطرف الآمن ليست خيارا بل هي وحدها غاية القرار. وبالعودة للصفحة البيضاء في عتيم الليالي السوداء، وفي لجة الاختلاف على الوجهات تكمن أهمية الصفحة البيضاء لبداية جديدة تخرجك كقائدٍ لسفينة حياتك من حال التشتت والضياع إلى حال الهدوء والاطمئنان. على الصفحة البيضاء، فكر ملياً قبل أن تكتب، فبقاؤها بيضاء أفضل من أن تكتب ما يسوؤك، وأن تذهب بسفينتك في اتجاهٍ لا يخدم ركابك. أعد التفكير في الشواطئ الموعودة، ثمة منها من يعد بالكثير الذي لا تحتاجه ويكلفك أكثر مما حرك أشرعة إبحارك وتسبب في التهاب أحزانك، اذهب إلى تلك التي تحتاجها روحك، وتطمئن بها بقية أعضائك. وحين تتوجه سفينتك جيدا إلى غايتها، أعطها من وقود رحلتك ما يضمن استمرارها، ولا تبخل في سبيل وصولها بمالك وقدراتك. الرحلات الشاقة تستنزف القدرات لكن لذة الوصول فيها أكثر إمتاعا وأصبر وأقدر على البقاء في صفحات التاريخ وقتا أطول.