أفاد وزير الشؤون البلدية والقروية، المهندس عبداللطيف آل الشيخ، بوصول نسبة سكان المناطق الحضرية في المملكة إلى نحو 83 % من إجمالي السكان، لكنه أشار إلى ما يصاحب هذا النمو المتسارع من ضغطٍ على البنية التحتية والخدمات. واعتبر الوزير أن المشكلات المصاحبة لنمو المناطق الحضرية، ومنها أيضاً الازدحام والتلوث ونشوء المناطق العشوائية، يُمثِّل أعباءً إضافيةً على إدارات المدن ما يستلزم تطوير أدائها واستحداثها برامج جديدة. وشدَّد، في كلمةٍ لدى افتتاحه أمس في الرياض منتدى التخطيط الحضري الأول تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين، على اهتمام وزارته بكل ما من شأنه إيجاد بيئة حضرية مستدامة لسكان المدن السعودية التي تشهد نمواً متسارعاً. ولاحظ آل الشيخ اختلاف وسائل ضبط النمو الحضري والعمل على تقليل آثاره السلبية بحسب ظروف واحتياجات وخصوصية كل مدينة. «إلا أنها جميعاً اتفقت على أهمية التخطيط الشامل الذي يستوعب جوانب التخطيط الحضري والبيئي والإدارة الحضرية والتشريعات العمرانية والمشاركة المجتمعية لتحقيق تطلعات وآمال السكان في جعل مدنهم أكثر حيوية واستدامة»، بحسب تأكيده. ويستمر المنتدى حتى يوم غدٍ الخميس، ويشهد عقد 9 جلسات علمية تناقش محاور عمل عدَّة مرتبطة بالتوجهات الحديثة في التخطيط الحضري وأبرزها «مبادئ التحول الحضري». وفي الافتتاح؛ حضر عددٌ من الأمراء والوزراء وأمناء المناطق، فضلاً عن مساعد الأمين العام للأمم المتحدة المدير التنفيذي للبرنامج الأممي للمستوطنات البشرية، الدكتور جون كلوس. وأبان آل الشيخ أن وزارته وضعت خطةً شاملةً لتحقيق التنمية الحضرية المستدامة في المدن السعودية تستهدف ضبط وتنظيم التنمية الحضرية، وتحقيق الأداء المؤسسي الفاعل، مع تعزيز المشاركة المجتمعية، والاستغلال الأمثل للموارد البلدية وبناء وتعزيز شراكات مستدامة مع القطاع الخاص. ولفت إلى شروع الوزارة في صياغة البرامج التي تعمل على تطوير التخطيط الحضري وتحديث كافة مستوياته، إضافةً إلى الارتقاء بمستوى الخدمات البلدية وتحقيق الإدارة الفعالة للأراضي والمحافظة عليها، وصولاً إلى تحقيق غاية التنمية الحضرية المتمثلة في التطور والازدهار للمدن والرفاهية لساكنيها، واصفاً المنتدى بأنه إحدى الآليات لتحقيق هذه الأهداف عبر ما يتيحه من التقاء نخبةٍ من المتحدثين وصناع القرار والخبراء والمشاركين من مختلف أنحاء العالم. ونبَّه آل الشيخ في كلمته إلى أهمية اكتساب المدن السعودية المعرفة المفيدة والاقتداء بالتجارب الناجحة «لتمثل في ذاتها تجربة ثرية في التحولات الحضرية والتنمية المتوازنة المرتبطة بالنمو المتسارع». وربط بين التحولات الحضرية و»منهجية رصينة واستراتيجيات فاعلة وخطط تنفيذية محكمة وممارسة راشدة بعيدة التطلعات ثابتة الأداء»، مبيِّناً أن «التطوير يستدعي تعزيز أداء المؤسسات والأجهزة المعنية بإدارة شؤون المدن من حيث منهاج تخطيطها وهيكلة أجهزتها وكفاءة كوادرها وبرامج عملها، مع إعادة صياغة واجبات هذه الأجهزة وتحديد نطاقاتها ومجالاتها، وإعادة تعريف الخدمات التي يحتاجها سكان المدن في ضوء التحول الثقافي الكبير والتطور التقني الشامل». متابعاً «كما يتطلب الأمر أيضاً تحقيق نقلة نوعية في مفاهيم التخطيط الحضري واستراتيجيته لتكون أكثر شمولية في أهدافها وأكثر قرباً واتساقاً مع خصوصية ظروف المدن التي توضع لها». وأبدى آل الشيخ ارتياحه للشراكة الفاعلة بين الوزارة وبرنامج الأممالمتحدة للمستوطنات البشرية «الموئل». وعدَّ انعقاد منتدى التخطيط الحضري الأول أحد ثمار الشراكة بين الجانبين، مثمِّناً دور جميع الجهات المشاركة في المنتدى من القطاعين الحكومي والخاص والمؤسسات العلمية ومؤسسات المجتمع المدني والجامعات والمؤسسات الإقليمية والدولية والجهات الراعية. وتطلَّع الوزير إلى إسهام الحوار بين المشاركين في الخروج بمقترحات وتوصيات تدعم توجهات الوزارة بما يحقق مستقبلا أفضل لمدن المملكة لتصبح أكثر استدامة وجاذبية للعيش والعمل، معرباً عن سعادته بنيل شرف النيابة عن خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، في افتتاح المنتدى، مؤكداً «رعاية سلمان الحزم لهذا الملتقى تشريفٌ للقطاع البلدي وحافز كبير لجميع العاملين في مجال التخطيط الحضري». في السياق نفسه؛ وصف وكيل «الشؤون البلدية والقروية» لتخطيط المدن، الدكتور عبدالرحمن آل الشيخ، المملكة بأنها واحدة من أعلى الدول في نسب التحضر، إذ ارتفعت النسبة فيها إلى ما يقارب 33% بين عامي 1970 و2010. وأوضح وكيل الوزارة أن عدد مدن المملكة ارتفع من 58 مدينة في عام 1970 إلى 285 مدينة في عام 2015 أكبرها الرياض بعدد سكان يزيد عن 6 ملايين نسمة، ملاحظاً أن «هذا النمو في التحضر الذي فاق كثير من توقعات المخططين يرجع إلى عوامل مختلفة؛ منها وفرة الموارد الاقتصادية، والزيادة الطبيعية للسكان، وارتفاع نسبة الهجرة إلى المدن من الداخل والخارج، وتحسن وسائط النقل». ولفت أيضاً إلى تحديات مصاحبة تواجه عملية التحضر في أي مكان في العالم «ومنها التركز السكاني في المراكز الحضرية الكبرى، والزيادة المستمرة في تكلفة تشغيل وصيانة المرافق والخدمات، والاستهلاك العالي للطاقة وما يصاحبه من زيادة التلوث، علاوةً على الاختناقات المرورية ونقص الأراضي الزراعية». ولاحظ الدكتور عبدالرحمن آل الشيخ، خلال كلمته في المنتدى، أنه «مع التغير في النظرة إلى المدن على أنها ليست مكاناً للعمل والسكن فقط بل لممارسة الأنشطة المختلفة والتواصل الاجتماعي وتحقيق الفرص؛ بدأ العالم يشهد تحولاً في مفاهيم التخطيط الحضري سُمِّيَ بالتخطيط الحضري المستدام المتمثل في تطبيق مفاهيم الاستدامة التي تنادي (…) بتوفير وسائط النقل الحضري، وتحسين الموارد الاقتصادية، وتعزيز دور القطاع الخاص، والارتقاء بجودة الحياة، والإدارة الذكية، والحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، والمشاركة المجتمعية في عملية التحضر». وأفاد آل الشيخ بشروع وكالة تخطيط المدن في «الشؤون البلدية والقروية» في إعادة النظر في عملية التخطيط للمدن بما يتواءم مع هذه التوجهات العالمية لتحقيق نقلة نوعية في تخطيط مدن المملكة وجعلها أكثر جذباً للعيش والعمل والاستقرار. وشرح أن وكالة الوزارة بدأت العمل في عدة برامج جديدة في مجال التخطيط الحضري، ومنها برنامج «مستقبل المدن السعودية» بالتعاون مع برنامج «الموئل». والأهداف، بحسب قوله، هي «توفير بيئة حضرية أفضل في المدن السعودية»، و»الحد من ظاهرة الانتشار العمراني»، و»معالجة التوسع الحضري»، و»بناء الشركات من أجل تنمية حضرية أفضل»، و»رفع مستوى القدرات المؤسسية والفنية في الوزارات والأمانات في مجال تخطيط التنمية الحضرية وإدارتها بأسلوب مستدام». وذكر آل الشيخ أن منتدى التخطيط الحضري الأول يستهدف تبني حوار واسع بمشاركة كافة الجهات ذات العلاقة لمواجهات تحديات التنمية واستيعاب المتغيرات الثقافية والاقتصادية للمجمعات. وأشار إلى ما يتميز به المنتدى من أسلوب تنظيم وتنوُّع للمشاركات والرؤى «حيث حرصت اللجنة المنظمة على اختيار موضوع التوجهات الحديثة في التخطيط الحضري ومناقشته مع خبراء ومهنيين وأكاديميين من داخل وخارج المملكة على مدى 3 أيام و9 جلسات علمية تناقش عدة محاور عمل». وتحدث في الوقت نفسه عن مشاركة المملكة في مؤتمر «موئل الأممالمتحدة الثالث» الذي سيُعقَد في أكتوبر المقبل، معتبراً المنتدى إحدى الخطوات التحضيرية للمؤتمر. ووفقاً له؛ بلغ عدد المشاركين الذين طلبوا حضور المنتدى نحو 1800 مشارك. بدوره؛ أكد المدير التنفيذي لبرنامج الأممالمتحدة للمستوطنات البشرية، الدكتور جون كلوس، أن التخطيط الحضري والعمراني لم يعد مشكلةً كما كان في الماضي بل بات حلَّاً وأداةً لزيادة معدلات النمو. ونبَّه كلوس إلى تحوُّل المدن إلى مصدرٍ رئيسٍ للرخاء وفرص العمل، إذ تنشأ فيها 80% من النواتج المحلية الإجمالية «وهو ما يفسِّر عيش حوالي نصف سكان العالم حالياً في المناطق الحضرية»، متوقعاً زيادةً مقدارها 3 مليارات شخص في عدد سكان هذه المناطق على مستوى العالم خلال السنوات ال 30 المقبلة.