هل تؤمن بالحظ؟ أم إنك من الذين يعتقدون ألا شيء يأتي مصادفة، وأن الصدف السعيدة لا تأتي إلا للذين يبحثون عنها بجهد شاق لسنوات طويلة حتى يجدوها في نهاية المطاف؟ في كتابه الممتع «السرنديبية: اكتشافات علمية وليدة الصدفة» الذي ترجمه للعربية مصطفى محمد فؤاد، لصالح موسسة هنداوي للتعليم والثقافة، يناقش المؤلف رويستون إم روبرتس، مفهموم الصدف السعيدة التي تقود إلى اكتشافات علمية كبيرة، تُغيِّر مسار التاريخ والمستقبل معاً، ويُطلق عليها مصطلح «السرنديبية»، وهو مشتق من «سرنديب» الاسم القديم لسيلان المعروفة حالياً بسريلانكا، ويعود السر في التسمية إلى قصة تاريخية قديمة، عاش أبطالها في سرنديب، واستطاعوا أن يواصلوا حياتهم عبر سلسلة الاكتشافات، التي لم يكونوا يسعون وراءها، بل تقع بين أيديهم بفعل الصدفة أحياناً، والفطنة أحياناً أخرى. ويقول المؤلف، إن الصدفة حتى لو بدت لنا مجرد صدفة محضة، إلا أنها ما كان ليلتقطها أحد، ويبني عليها اكتشافه، ما لم يكن مستعداً، ومهيَّأً لها بعقل فطن، وبصيرة واعية، وأن ذات الصدف قد مرَّت على عشرات الأشخاص الآخرين دون حتى أن يلتفتوا إليها. ويضرب الكتاب أمثلة طريفة عن قصص لاختراعات، واكتشافات، كانت بذرتها الأساسية وليدة الصدفة، فغاز النيتروز، لم يكن يُعرف له أي استخدامات طبية مفيدة سوى أن الناس يستخدمونه للتسلية والمرح نتيجة شعور النشوة، الذي يمنحه لهم، حتى جاء يوم، حضر فيه صديقان عرضاً فكاهياً، يطلب المقدم في إحدى فقراته متطوعين من الجمهور لاستنشاق هذا الغاز، والقيام بحركات مضحكة، تطوع أحدهما، وشارك في العرض، لكن صديقه، الذي كان بالمناسبة طبيب أسنان، لاحظ أن رفيقه قد جرح ساقه جرحاً عميقاً، وأنها تنزف بشدة، وهو لا يشعر بأي ألم، هنا خطرت للطبيب الحاذق الدكتور هوراس ويلز، فكرة استخدام ذلك الغاز مخدراً في عيادات الأسنان، وقد كان له ذلك، ومازال يستخدم حتى اليوم مهدِّئاً ناجحاً للأطفال، والأشخاص المصابين برهاب من زيارة عيادة طبيب الأسنان. مثال طبي آخر طريف، أورده المؤلف عن قصة اكتشاف الإنسولين حيث كان الطبيبان الألمانيان جوزيف فون ميرج، وأوسكار مينكوفيسكي، يُجريان أبحاثهما على الجهاز الهضمي، وقاما باستئصال البنكرياس من أحشاء أحد الكلاب، وفي اليوم التالي لاحظا أن الذباب يتجمع بكثرة فوق بول الكلب، الذي استؤصل بنكرياسه دون باقي الكلاب، ما جعلهما يستنتجان أن بوله فيه نسبة مرتفعة من السكر عقب العملية، أي أنه أصبح مصاباً بمرض السكري بمجرد فقدانه البنكرياس، وهو ما قادهما إلى الربط بين نشاط البنكرياس، ومقاومة مرض السكري، لكن العلم احتاج إلى ثلاثين عاماً إضافية ليأتي عالمان آخران، نجحا في استخلاص، وعزل الإنسولين من البنكرياس، وجعلاه صالحاً للاستخدام التجاري بصفته علاجاً فاعلاً لمرض السكري. الكتاب ممتع وسلس، وغني بالقصص العجيبة والغريبة عن عشرات الاختراعات والاكتشافات التي كانت وليدة السرنديبية، وتحفزك بشكل غير مباشر على التركيز على عمل ما تحب، والإصرار عليه لعلك تظفر ذات يوم باكتشاف سرنديبي مماثل، يُغيِّر حياتك وحياة البشرية من بعدك… مَنْ يدري!