أوصى ذلك الرجل البدوي «المتوشح» بمشلحه الأسود، وهو يهمُّ بالنزول من سيارته إلى مقر إمارة منطقة الرياض لمقابلة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، حينما كان أميراً للعاصمة الرياض لأمرٍ يختص بشأن ابنه، الذي اصطحبه معه، أوصى ابنه، وهمس في أذنه، وقال له: اسمع يا فتى حينما تقدِّم الخطاب إلى سلمان، ويسألك عن بعض التفاصيل فيه عُدَّ الصحيح ولا تكذب، أي كن صادقاً، فسلمان يا ولدي يعرف «الكذَّاب» من نظرات عيونه. سقت هذه المقدمة، وأنا أرى تلك المناشدات، التي يوجهها بعض الزعماء اللبنانيين إلى المملكة بسبب وقف الإعانات والمساعدات التي تقدمها السعودية إلى لبنان. المملكة العربية السعودية كلمتها واحدة، ولا تحب «اللف، ولا الدوران»، وتتغاضى، وتصبر، وتنتظر، ولكنها حينما تتخذ قرارها فمعنى هذا أنها وصلت إلى مرحلة اللاعودة، فلا يُرجعها عن قرارها التلوُّن، ولا الكذب، ولا التسويف، ولا التزييف، مبدأها: كن صادقاً معي منذ البداية. حينما تمد يدها لك كن بقدر تلك القبضة، و»الهقوة»، والشدة على اليد، ولا تخذلها أو تخيِّب ظنها بك. المملكة على مدى تاريخها منذ تأسيسها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز، وهي تقف مع لبنان، وشعبه، وقد ساهم الملك عبدالعزيز في الضغط على الحكومتين الفرنسية والبريطانية لإعلان استقلال لبنان، كما أن المملكة لم تدخر جهداً في مساعدة ودعم الشعب اللبناني. أنا لا ألوم الأشراف من الشعب اللبناني حينما يغضبون ويستاءون من تبعات هذا القرار، وهم يحمِّلون ذلك الأمر ل «المؤزِّمين» في البرلمان، والأحزاب السياسية، وأتساءل: لماذا تناشدون، والمملكة على مدى كل تلك السنوات وهي تدعم لبنان، وتقوم ببنائه، وإعماره، ودعم جيشه، الذي لا يتجاوز دوره ما تقوم به شرطة المرور من تنظيم للسير، وهو ما نراه دائماً، فرغم كل ذلك الدعم، وكل تلك الهبات والأعطيات لم يتجرأ الجيش اللبناني على إيقاف سيارة نقل خفيفة تابعة لحزب حسن نصر الله في نقطة تفتيش!