إن ما نراه من حراك ثقافي ومظاهر تراثية في أيام معدودات بمهرجان الجنادرية يؤكد أنه أصبح مهرجانا له جذور وتغلل في أعماق ووجدان كبار المثقفين والمفكرين العرب، فهذا العام نرى مهرجان الجنادرية في طبعته الثلاثين يضم كوكبة من الضيوف وهم يتحاورون ويتناقشون في مختلف القضايا الفكرية والثقافية والسياسية بخاصة التطورات الجيوسياسية في المنطقة وتداعياتها على الشعوب العربية، فأصبح هناك تلاقح ومزج بين الأفكار والثقافات العربية في حوارات ونقاشات في قمة الرقي. إن المتابع لهذا المهرجان الذي أسسه الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز يرى أنه مهرجان لديه رؤية متكاملة في وجود المثقفين العرب بمختلف اتجاهاتهم الفكرية فيلتقون ويختلفون في جو يسوده الاحترام والرقي ويصلون في النهاية إلى عديد من نقاط الاتفاق. إن «الجنادرية» أصبح من رموز التجمعات الثقافية والتراثية العربية التي يشار إليها بالبنان، فكثير من المثقفين العرب يرون فيه فرصة جيدة للالتقاء والتحاور ومناقشة القضايا وتبادل الآراء والخبرات. إن الجنادرية مشروع ثقافي يبرز جانباً مهماً من جوانب بلادنا، فإحياء التراث وجمعه والتذكير به مهمة ليست باليسيرة، فيجب تذكير الأجيال الجديدة بهذا التراث خاصة أن الجيل الجديد يعيش مرحلة مختلفة عن الحياة التي عاشها الآباء والأجداد. إن الجنادرية وعاء تصهر فيه وتصب طروحات ثقافية متعددة المشارب يوفر لها منصات للتحدث والإفصاح بعيداً عن تعاطي السياسة المزعج، على الرغم من صعوبة إقصاء هذا العامل لكن بالضرورة أن جزءاً مهماً من وظيفة الجنادرية هو إيجاد جو ثقافي تلتقي فيه النخب من الداخل والخارج سنة بعد سنة ليطرحوا أحاديثهم وقضاياهم، خصوصاً في السنوات الأخيرة التي تكالبت فيها على المنطقة أحداث تاريخية وجغرافية كبيرة وما نراه من تغيرات في بعض الدول التي أصابتها الفوضى وعدم الاستقرار. وتقوم الجنادرية بوظيفة دقيقة هو أحداث نوع من المناقشات والحوارات في مختلف القضايا بين المشاركين لإيجاد نوع من الحوار المتميز. وستظل الجنادرية منارة للثقافة والتراث ومناقشة القضايا السياسية والفكرية بين مختلف المثقفين وتظل الرياض من أهم العواصم العربية في المنطقة وملتقى للساسة والمثقفين من مختلف دول العالم.