قبل أكثر من عام، تحالفت شركات الاتصالات واستصدرت قرارات لحجب كلي أو جزئي لعدد من برامج التواصل التي توفر خدمة المكالمات الصوتية المجانية، لأنها كانت تهدد أحد أهم مصادر دخل شركات الاتصالات آنذاك، أعني المكالمات الصوتية التي كانت تكلفتها محلياً (35 هللة) خمسة أضعاف المتوسط العالمي (7 هللات). لكن النمو المذهل لبرامج التواصل الاجتماعي كماً وكيفاً، جعل المستهلك يستغني بشكل كبير عن المكالمات الصوتية المكلفة، ما أضعف مداخيل الشركات منها، وأجبرها على تغيير سياساتها، بعد ملاحظة ودراسة المتغيرات على أرض الواقع. أدركت الشركات أن خدمة الإنترنت هي الرهان الرابح حالياً ومستقبلاً، فقامت بإعادة تسعير باقاتها، وقد لاحظ المستهلكون ارتفاع الأسعار مؤخراً بشكل معاكس للاتجاه العالمي، وهذا ما يفسّر السماح مؤخراً بالمكالمات الصوتية عبر التطبيق الشهير «واتساب». أمام هذه المتغيرات اللا منطقية التي تمس المستهلك بشكل مباشر، خاصة أنه ينفق أكثر من 30 % من دخله على خدمات الاتصالات، يجب إعادة النظر في الأسعار، وطريقة بيع الخدمة. فنظام الاشتراك «الباقات» يجب أن يعدّل بحيث تكون المبالغ المدفوعة مقابل البيانات المستهلكة فقط، ولا يتم إيقاف الخدمة عن المشترك حتى نفاد البيانات المخصصة له ولو استغرق الأمر أكثر من ال30 يوما المعمول بها حاليا. ما يحدث الآن أن الشركات تبيع زمن الاشتراك ولا تبيع الخدمة فعلاً، وهذا ما يجعلها لا تحرص على تجويد خدماتها، ولا تتفاعل بالشكل المطلوب مع مشكلات الأعطال التي تعترض المشتركين بشكل متكرر. لكن لو كان البيع للبيانات لقاتلت الشركات لتحسين خدماتها وتوفير شبكة فاعلة وفريق صيانة ديناميكي لا يتوانى عن معالجة أي مشكلة تعترض أي عميل لحثه على استنفاد البيانات بأسرع وقت كي يجدد الاشتراك. أرباح شركات الاتصالات مهولة، وأسعارها – المحمية من المنافسة – الأعلى عالمياً، وممارساتها البيعية محمية أيضاً، وإنفاق المستهلكين عالٍ جداً، كل هذا يستلزم إعادة تنظيم السوق الضخم، بدءا بإعادة صياغة علاقة المرجع المنوط به التغيير المنشود (هيئة الاتصالات)، بمقدمي الخدمة. قبل كل هذا، على الشركات ومرجعيتها الحكومية أن تدرك أن المستهلك أصبح أكثر وعياً وإدراكاً واطلاعاً، وبإمكانه عبر تطبيق بسيط أن يقارن بين مستوى أسعار الإنترنت وجودتها محلياً وعالمياً، ليعرف أنه يدفع كثيراً من المال مقابل خدمة أقل جودة!