دعوتنا لمحاربة الطبقيّة، ليكون مجتمعنا غير طبقي، يسعى لتمكين الوسطية الإسلاميّة،يطبق الشريعة الإسلامية، ويستقي تعاليمه ومنهج حياته من دِين ثابت قادر على مواكبة المستجدات، وهو الدين الصالح لكل زمان ومكان، يجب محاربة من يسعى لتكريس الطبقية في عقول الناس؛ لأنها قبيحة بغيضة تُشعر الإنسان بالحسرة والمرارة، وإن كان هناك من يسعى لإقناع الناس بها، ولكننا حين نرى مدى التلاحم بين المسلمين في هذه البلاد، ندرك بوار تلك الفكرة. هذا التلاحم يبرز من خلال اجتماع المسلمين في بيوت الله كل يوم خمس مرات، ولعلَّ المسجد الحرام خير شاهد على ذلك على مدار العام، ولنا أن نقف وننظر، ثم نتفكر في سمو الإسلام، وسعيه الدائب إلى نبذ الطبقية، فلا فرق بين الناس إلا بتقوى الله عز وجل. فالكل يقف لأداء الصلاة في مكان واحد ولغرض واحد وقد ذابت بينهم كل تلك الفروقات. هذا فيما يخص دور الإسلام بصفة عامة، ناهيك عمَّا يسجله أبناء هذه البلاد وبناتها من المواطنين والمواطنات من مواقف مع بعضهم تتجلَّى في التكاتف الاجتماعي، وعلاقات النسب، والعمل في مجال واحد، وحُب الناس لبعضهم، وتفقد الأحوال، والإحسان إلى المحتاجين وغيرها. أما ما يخص الغِنى والفقر فهذه مسألة نسبية، وهي من سُنن الحياة أن يكون فيها أناس أغنياء، وآخرون فقراء. فلا الغنى هو الذي يرفع من قيمة الإنسان، ولا الفقر هو الذي يُخزي الإنسان. بل هي التقوى بكل ما تحمله هذه الكلمة من أبعاد جميلة، وظِلال وارفة. ولذا لما سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : أيهما أفضل، غني مُنفق، أم فقير صابر؟ قال: أتقاهما ! بعضهم يهرب من المجتمع تحت دعاوى محاربة الإبداع، فهو هروب العاجز الضعيف! ولا أظن أن مجتمعنا يحارب الإبداع، أو يأسر العقل. متى ما سخَّر الإنسان عقله لخدمة الحق، ونشر القيم، وإبراز الحقائق. فهذا العقل ليس رخيصًا في نظر الدِّين، بل لقد دعا الدِّين لوجوب حفظه وعدم تضييعه، وبقاء الإنسان في وطنه ومواجهة مشكلاته أحسن من الهروب والبحث عن النجاح الزائف!نحن في وطن يرعى العقول النيرة المضيئة، ويشجِّع الإبداع ويدعمه. نحن في وطن حرص قادته على الاهتمام بأبنائه وبناته، قادته الذين ما فتئوا يرحبون بكل فكر متألق مبتكر، ويرفضون كل فكر منحرف هدام ، بل ويعملون على استصلاح من منَّ الله عليهم بالعودة إلى جادَّة الصواب، ويَجْهدون من أجل الرقي بأبناء البلاد وبناتها في حدود الإطار الذي رسمه لنا الدِّين الحنيف بتعاليمه وقيمه وأخلاقه، والتي جعلت لنا سماتنا وصفاتنا الخاصة. ونحن لن نتقدم بانسلاخنا من ثوابتنا، بل بالتمسك بها والدعوة إليها. إن الإنسان متى ما نسي أصله وثوابته أضاع هويته وصار ضعيفًا هزيلًا في هذه الحياة مثله كمثل شجرة بُترت جذورها فدَبَّ فيها الضعف والوهن.من الواجب أن يأخذ الإنسان من علوم العصر ومن الأمم المتقدمة ما يفيده ولكن ذلك لا يجعله يتنصل من قيمه الثابتة ويتنكر لها، أو يبتعد عن الخوض في القضايا الفقهية التي حسمها العلماء بالرجوع إلى النصوص الشرعية الواردة في ذلك، وألَّا نجعل من تلك القضايا «إشكاليات». فلا إشكالية تقف في وجه هذا الدِّين الذي أكمله الله وأتمه، وسخَّر له العلماء المخلصين الذين حملوا هَمَّ الدِّين وسعوا إلى نشر تعاليمه، وتوضيح مفاهيمه للناس. فلا الحجاب إشكالية، ولا المرأة مسلوبة الحقوق إلَّا عند من يريدون تضييع المرأة، أولئك الذين ابتعدوا عن فهم الدِّين الفهم الصحيح، فلا الدِّين ظلم المرأة، ولا الدِّين أضاع حقوقها، بل رسم لها الطريق الصحيح الذي يضمن لها الحياة الكريمة جنبًا إلى جنب مع الرجل؛ ليرفع كلا منهما البناء.