ربط محلل اقتصادي بين أزمة انخفاض أسعار النفط الحالي وأزمتها في تسعينيات القرن الماضي، وقدرة الاقتصاد الوطني على التعامل مع الأزمة. وقال المحلل الاقتصادي والمصرفي فضل البوعينين إن لدى المملكة خبرة كافية اكتسبتها على مدى 80 سنة، وهي خبرة تؤهلها لخوض التجربة على نحو اقتصادي بحيث يتم تحجيم التأثيرات السلبية. وأضاف «إن المملكة واجهت تحديات انخفاض أسعار النفط والدخل في التسعينيات الميلادية وخرجت منها بفضل الله». وزاد «الظروف الاقتصادية لم تؤثر على المملكة فحسب بل أثرت على جميع الاقتصادات العالمية، ورغم تأثيرها الواضح محليّاً، إلا أن الحكومة نجحت في خططها التحوطية خلال العقد الماضي حين توفرت لها الفوائض المالية الضخمة؛ حيث ركزت بالإضافة إلى الإنفاق التنموي على جانبين مهمين أولهما سداد الدين العام وتوجيه جزء من الدخل والفوائض المالية لخفضه والجزء الآخر بناء الاحتياطات المالية، فيما وجهت الجزء الأكبر للتنمية فأنفقت تريليونات الريالات خلال السنوات الماضية في التنمية الشاملة ودعم وتنمية الاقتصاد». مضيفاً «إن استراتيجية التحوط المبنية على خفض الدين العام وبناء الاحتياطات هي التي ساعدت المملكة على تحمل انخفاض الدخل الحاد وسد العجز الحالي من خلال تسييل جزء من الاستثمارات والاستدانة من السوق المحلية». وبرغم التمول الحكومي من السوق ما زالت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في حدود 5.8%، وهذا يتيح للمملكة قدرة أكبر على التمول مستقبلاً، وأشار البوعينين إلى أهمية العمل بشكل مستمر على تحقيق الكفاءة المالية في جميع جوانب الحكومة، واستشهد بآليات العمل ونموذجية التنفيذ في تحقيق أكبر كفاءة في التنفيذ والتشغيل والمتابعة لمشاريع الهيئة الملكية التي تنجز بأقل تكلفة وأكثر جودة واستدامة. وحول برنامج التحول الوطني، قال «برنامج نوعي وتنموي ضخم محدد بمؤشرات ومبادرات وتأطير زمني محدد لكل مجالات البرنامج لتحقيق التنمية المنشودة من خلال تنويع الاقتصاد بما يساعد على زيادة الناتج الإجمالي وإيجاد مزيد من الوظائف وزيادة الصادرات وتنويع مصادر الدخل الحكومي». وأضاف «من ركائز البرنامج الخصخصة، وهي ستساعد في رفع جودة الخدمات وتنوعها وتوفير دخل حكومي إضافة إلى خفض الأعباء المالية». وقال «إن برنامج التحول الوطني وإن سيطرت عليه الشؤون الاقتصادية التنموية إلا أنه يضم في جوانبه نواحي سياسية واجتماعية، وبما يسهم في إحداث تحول شامل في جميع القطاعات». وزاد «إن الرسوم لم تكن خياراً حكوميّاً مرتبطاً ببرنامج التحول بقدر ما كانت علاجاً لبعض المشكلات الاقتصادية ومنها أزمة الإسكان التي حملت الحكومة على فرض رسوم الأراضي البيضاء لتحقيق هدف التوسع في البناء أو تحريك ملكية الأراضي المحتكرة. إضافة إلى ذلك فالرسوم ستوجَّه للمواطن من خلال دعم وزارة الإسكان التي ستستغل الرسوم للتوسع في بناء المنازل للمستحقين». وحول الخصخصة، قال «إن الخصخصة تساهم في دعم التنمية والدخل الحكومي من جهة، وتساعد أيضاً في تقديم الخدمة بجودة عالية وإيجاد فرص وظيفية للمواطنين، إضافة إلى تحقيق التنافسية للسوق السعودية»، وأشار إلى أن «التحفظ الوحيد حول التخصيص هو إقدام الحكومة على تنفيذه بشكل شامل دون مراعاة للأولوية والأهمية، وأحسب أن الحكومة مطلعة على ذلك، فهناك قطاعات يمكن البدء بتخصيصها بشكل عاجل كالمطارات والموانئ والمياه وغيرها، وقطاعات يجب الانتظار عليها كالصحة والتعليم». وأضاف «عندما نتحدث عن خصخصة القطاع الصحي لابد أولاً من دعم البنية التحتية للقطاع الخاص في مجال المستشفيات إضافة إلى دعم صناعة التأمين للاعتماد عليه في هذا المجال». وحول هبوط أسعار النفط حالياً، قال البوعينين «إن الأسعار الحالية مؤلمة للجميع، بل إن الدول الصناعية الكبيرة التي كانت تتمنى انخفاض الأسعار واجهت مشكلات في مجالات مختلفة، ومنها القطاعات المصرفية التي قدمت قروضاً ضخمة لشركات النفط الصخري التي بدأت في الخروج تباعاً من السوق بعد انخفاض الأسعار. تعثُّر هذه الشركات سينعكس سلباً على القطاع المالي». ونوه إلى أن الفائض في الأسواق؛ هو السبب الرئيس لتدهور الأسعار بالإضافة إلى بطء النمو في الدول الصناعية ما أدى إلى ضعف الطلب. وأشار إلى أن تجفيف الفائض هو الحل الأمثل لدعم الأسعار، وهذا لن يحدث إلا باتفاق كبار المنتجين في أوبك وخارجها. وأوضح أن غالبية التقارير المتخصصة تشير إلى أن الأسعار ستبقى قريبة من مستوياتها الحالية خلال العام الحالي؛ وربما تشهد مزيداً من التراجع؛ ما يجعلنا أكثر حاجة لتطبيق الإصلاحات الاقتصادية؛ فمحنة الأسعار الحالية قد تهبنا منحة التغيير والبناء والتطوير والبدء في مشاريع برنامج التحول الوطني من حيث تنويع مصادر اقتصادنا الوطني مستقبلاً. وحول الاقتصاد المعرفي، قال «إن البداية نحو الاقتصاد المعرفي تأتي من التعليم النوعي المحقق للتنمية المستدامة، وذلك من خلال تطوير المواد والمناهج العلمية والتقنيات التعليمية والاهتمام الكبير بالمعلم والبيئات التعليمية المميزة المحفزة للإبداع، نحتاج إلى مناهج علمية ملهمة ومهارات تعلُّمية؛ فعلى سبيل المثال دول سنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا بدأت من التعليم ثم وصلوا إلى الاقتصاد المعرفي برغم ضعف مواردها»، وأضاف «إن برنامج الابتعاث الخارجي مشروع تنموي ضخم لرفد المملكة بالكفاءات ولكن ينقصنا التخصصات النادرة في مجال الابتعاث مثل الهندسة والطب وتقنية المعلومات والاتصالات». كما ألمح إلى أهمية الاهتمام بإقامة المراكز البحثية المتخصصة ودعم مجال الابتكار والإبداع، مؤكداً أهمية إطلاق استراتيجية دقيقة وبرامج نوعية وأدوات قياس قادرة على التقييم والتوجيه والضبط والمحاسبة. وقال إنه يصعب تحويل الاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد معرفي بالأدوات المتاحة حالياً؛ خاصة منظومة التعليم التي تحتاج إلى إعادة هيكلة لضمان تحقيق الأهداف الاقتصادية التنموية للمملكة؛ إضافة إلى البنية التحتية التقنية المتكاملة؛ والتشريعات والاستثمار في رأس المال البشري، ومراكز البحث. جاء ذلك في استضافة لجنة التنمية الاجتماعية الأهلية في محافظة الجبيل المحلل الاقتصادي والمصرفي فضل البوعينين ضمن أنشطة ملتقى «تواصل» الاجتماعي الذي يهدف إلى تقديم خدمة لأهالي الجبيل وسكانها عبر استضافة شخصيات ذات خبرات عميقة للحديث عن مختلف التخصصات المهمة للمجتمع. وتحدث عن الاقتصاد السعودي مجيباً على عدة تساؤلات مؤكداً ثقته في اقتصادنا الوطني وحزمة الإجراءات التحوطية التي اتخذتها الحكومة لمواجهة تحديات الدخل.