قال مدير عام وكالة البسام للسفر والسياحة خالد عبدالمحسن، إن السياحة الداخلية تترنح، وأضاف في حوار ل «الشرق»: عجزنا بالتالي عن خلق سياحة محلية منظمة وسهلة، لذا يبقى الحال على ما هو عليه، وعلى المتضرر اللجوء إلى الهيئة العليا للسياحة والآثار. وأنحى باللائمة في هذا الوضع على مديري الفنادق وأصحاب الشقق المفروشة، لأنهم رفضوا تقديم أسعار خاصة، وتسابقوا في رفع الأسعار وتضخيم الأرباح. وأفاد أن السياحة المحلية لم تتطور حتى بعد تراجع نظيرتها العربية، معربا عن أسفه أنها تعاني غلاء الأسعار، وتجاهل توجيهات هيئة السياحة. وكشف عبدالمحسن عن أن المبيعات انخفضت بنسبة 40% مقارنة بما كان عليه الوضع قبل الربيع العربي. أسعار منافسة * ما مدى انعكاس تراجع السياحة العربية على سياحة الداخل في المملكة العربية السعودية؟ - لم تتطور السياحة المحلية حتى بعد تراجع نظيرتها العربية، فلا تزال للأسف تعاني غلاء الأسعار، وتجاهل توجيهات الهيئة العليا للسياحة والآثار من طرح أسعار منافسة، وغير مكلفة لتكون في متناول معظم الأسر، إضافة إلى مشكلات الرحلات الداخلية، بخاصة للمنطقة الجنوبية ذات الطبيعة الخلابة والأجواء الباردة، وعلى سبيل المثال تتوجه طائرة واحدة يوميا من الدمام إلى أبها تتسع ل 120 راكبا فقط، وهي لا تلبي احتياج أهل المنطقة الجنوبية فضلا عن بعض السياح الراغبين في قضاء إجازة الصيف هناك.أما المنطقة الغربية، فتأتي على رأس القائمة مكةالمكرمة والمدينة المنورة، حيث السياحة الدينية تشكل لب سياحة الداخل في المنطقة، ومن ثم جدة التي تحتضن فعاليات عديدة، إلا أن عدد الرحلات اليومية من الدمام إلى المنطقة الغربية لا يتعدى خمس رحلات متنوعة الحمولة، ولا تفي بالحاجة الفعلية. الشرقية طابع خاص وبالنسبة إلى المنطقة الشرقية، فهي ذات طابع خاص، لامتلاكها بنية تحتية ممتازة مقارنة بغيرها، وامتداد شواطئ الخليج العربي الدافئة على جانبيها، وتحتفل الأحساء سنويا بمهرجانها الصيفي (حسانا فلة)، لتشجيع السياح، وتتناثر في قلبها العيون، وبعض الآثار مثل جبل قارة، كما أن قربها من مملكة البحرين، يعطيها طابعا مميزا.لكن الرحلات الداخلية تظل قاصرة عن الوفاء بمتطلبات المسافرين، على سبيل المثال تصل إلى مطار الملك فهد بالدمام من الرياض رحلتان قليلتا الحمولة يوميا. محظوظة بحائل بينما تعتبر المنطقة الشمالية محظوظة بوجود حائل، إذ يقام بها (رالي حائل) كل عام ويجذب السياح، ولا سيما الشبان. وتحتفي حائل بمهرجان سنوي صيفا، رغم هذا تبقى الرحلات الجوية منها وإليها هزيلة، لا تذكر.وفي حين تتربع المنطقة الوسطى على عرش المواقع الاستراتيجية، يخذلها جوها بشدة حرارته، وجفافه، وغالبا لا يفضل السائح المحلي السفر إليها إلا من أجل التسوق أو العلاج أو زيارة الأقارب. وكون الرياض العاصمة، تكثف الرحلات الداخلية الجوية فيها ذهابا وإيابا. عقبات في الطريق * ألم تحاولوا تشجيع السياحة المحلية وترويجها؟ - بلى، قمنا بمحاولات كثيرة، بدأناها مطالبين برحلات إضافية إلى الجهات المطلوبة داخليا، ولكن للأسف الشديد، لا حياة لمن تنادي، عقدنا اجتماعات مع مسؤولي هيئة السياحة والآثار، حضرها مديرو الفنادق وأصحاب الشقق المفروشة، للضغط عليهم كي يقدموا أسعارا خاصة، إلا أنهم لم يأبهوا بل تسابقوا في رفع الأسعار، وتضخيم العائد الربحي. كل هذه العقبات جعلت السياحة الداخلية تترنح دون أن تراوح مكانها، وعجزنا بالتالي عن خلق سياحة محلية منظمة وسهلة، لذا يبقى الحال على ما هو عليه، وعلى المتضرر اللجوء إلى الهيئة العليا للسياحة والآثار. رحلات قياسية * وكيف كان إقبال السياح الخليجيين على الدول العربية قبل حمى الثورات؟ - كان رائعا، ومنذ عام واحد فقط اتجه نصف السياح الخليجيين إلى الدول العربية، ما بين مصر، لبنان، سوريا، الأردن، وتونس. * ماذا عن كثافة الرحلات وتوفر المقاعد آنذاك؟ - بالنسبة إلى كثافة الرحلات كانت قياسية جدا، بل منقطعة النظير حتى وصلت في بعض الأحيان إلى ما يربو على عشرين رحلة إضافية خلال يوم واحد من الإجازة الصيفية، ولم يكن إيجاد المقاعد وتوفرها سهلا بل لطالما بدا شبه مستحيل. * كم كانت أسعار تذاكر السفر وتكلفة الإقامة في الفنادق خلال السنوات الماضية؟ - كانت أسعار التذاكر باهظة جدا، وتختلف بحسب البلد الذي تقصده، والفترة التي تزوره فيها، ويؤخذ بعين الاعتبار إن كان موسما سياحيا أم وقت ركود. مصر أهم المحطات * ما الدولة العربية التي حظيت بالنسبة الكبرى من السياح الخليجيين في تلك الفترة؟ - كانت مصر من أهم المحطات السياحية للعائلات الخليجية، فلها رونق خاص بالنسبة إليهم، إذ يجدون فيها معالم تاريخية تعود إلى آلاف السنين، وكان عدد السائحين الخليجيين في الصيف يصل إلى ثلاثة ملايين سائح معظمهم من السعوديين.و كان جدول الرحلات المنتظمة من الدمام إلى القاهرة 14 رحلة مناصفة بين الخطوط السعودية والمصرية، وتمتد في الأسبوع الأول من الإجازة حتى عشرين رحلة إضافية.كذلك كان يستحيل إيجاد شواغر في الفنادق بخاصة ذات الخمس نجوم رغم ارتفاع أسعارها، إذ يصل سعر الغرفة المفردة فيها إلى 180 دولارا لليلة، أما المزدوجة فتتعدى 230 دولارا. من لبنان إلى تونس * وماذا عن لبنان؟ - لطالما كان لبنان مدلل الخليجيين، يحرصون على زيارته رغم ارتفاع أسعار الفنادق، والمعيشة فيه، فيتنزهون على سفوح فاريا أو يزورون جزين، وتارة يتعرفون على ضياعه وبساتينه. وتارة يفرون من حرارة الصيف الحارقة. * وسوريا؟ - لا تسألوني عن بطلة الصيف الماضي التي حققت أرقاما قياسية خلال شهور مضت من 2010، فلم نكد ننظم رحلة إليها حتى نبدأ في أخرى، وهكذا دواليك، وهي بالنسبة إلى معظمهم مناسبة الأسعار، وذات طبيعة خلابة، فلم يضيعون الفرصة إذاً؟ * والأردن؟ - لم يكن حظ الأردن يقارن بسابقاتها، لكنها غالبا ما كانت تعتمد على السياحة العلاجية التي تمثل 60% من الرحلات الخليجية إليها، وغالبا ما تنتهي بانتهاء مدة العلاج أو النقاهة. * وأخيرا تونس؟ - في الواقع إن السياح الخليجيين نادرا ما كانوا يقصدونها بسبب ضرورة حصولهم على تأشيرة قبل السفر وبعدها نسبيا مقارنة بالبقية. رأساً على عقب * كيف صار حال السياح الخليجيين في أرض الكنانة بعد 25 يناير؟ - قلبت الثورة والأزمة السياسية الحال رأسا على عقب، وبالتالي بات الخليجيون يفرون من هذا الوضع المزعج، وابتعدوا عن (أم الدنيا)، وصار مألوفا أن تذهب رحلات إلى القاهرة شبه فارغة، ومن يحتاج مقعدا سوف يجد لنفسه مكانا بالتأكيد، إلا أن معظم الموجودين فيها هم من الطلاب الجامعيين الذين يرتبطون بجامعاتهم قسريا، وبانتهاء دراستهم سيرجعون. وبالنسبة إلى الأرقام فقد قلت نسبة إصدار تذاكر الخليجيين إلى مصر بنسبة 60 %، وهذا رقم مخيف بعد أن كانت تمثل 15 % من نسبة السياحة العربية للخليجيين. * وفي لبنان ؟ - لبنان يختلف وضعه بعض الشيء، فهو طالما كان قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة بسبب الاحتقان السياسي والطائفي في بلد تربو طوائفه على 18 طائفة. لكن هذا لم يكن يوما عائقا للسياح الخليجيين، فقد كانت سوريا الملجأ عند الطوارئ، أما الآن فلم تعد سوريا نفسها آمنة، لذا تراجعت أعداد الخليجيين فيها، ومن المستحيل السياحة فيها، حيث صارت نسبتها صفر %. * وتونس ؟ - رغم أنها منبع الثورات لكنها لم تتأثر نسبة الخليجيين فيها لقلة قاصديها منهم من الأساس، لكن المؤسف أن يكون ربيعُ السياسة الشعبية، خريفَ السياحة العربية، وفي العموم، صارت نسبة السياح الخليجيين في الدول العربية 10% فقط بعدما كانت تمثل 50% من نسبة السياحة، وهذه المرة الأولى خلال ستة وعشرين عاما -هي عمري في صناعة النقل- التي تصادفني فيها أزمة سياحية بمثل هذا الشكل. إلى تركيا * إذاً إلى أين تحولت قبلة السياح الخليجيين بعد هذه العواصم العربية الثكلى؟ - إلى تركيا، فبالنسبة إليها (مصائب قوم عند قوم فوائد)، إذ زادت نسبة الخليجيين فيها وارتفعت أسعار التذاكر والفنادق، فبعدما كان سعر التذكرة إليها يتراوح بين 900 ريال و1200 ريال صار 1800 ريال. * كيف حاولتم تدارك الأمر وزيادة مبيعات الرحلات إلى الدول العربية؟ - صحيح أن مبيعاتنا قلت جدا حتى 40% مقارنة بها قبل الأزمة السياسية، إلا أننا لا ننظم «رحلات موت جماعية».