تابع الكثيرون الجدل “الفضائحي” المستعر بين صالح الحمادي وعلي الموسى على مدى الأيام القليلة الماضية عبر صحيفتي الشرق والوطن، والمفترض لهذا الجدل أن يكون منصباً على مشاكل تعاني منها جامعة الملك خالد كانت حديث الرواة والركبان على مدى أشهر، إلا أنه انحرف عن الغرض الرئيسي، والذي يظهر أن دوافع الرجلين لطرح الموضوع كانت نابعة عن غيرة وحس وطني تجاه وضع الجامعة الحالي، هذا ما نظنه بهما وكلاهما أهل للظن الحسن، لكن الكل يتفق على أن الهجوم على شخص الطرف المقابل واتخاذ ذلك وسيلة للدفاع لم يخدم القضية بقدر ما أساء للرجلين. الملفت في هذه “المنازلة” أنها انحدرت إلى مستوى من الطرح لم يكن من الأجدر النزول إليه، وقد ألمح الحمادي بنفسه إلى هذه الخلاصة في مقالته الأخيرة فربما كان مضطراً لذلك، لكن الحقيقة أن هذا النوع من الجدل ليس بدعة في مجتمعنا، إذ أن الكثير من حواراتنا ونقاشاتنا تؤول إلى نفس المصير الذي آل إليه هذا الجدل من البعد عن صلب الموضوع ومحور النقاش إلى الدخول في أمور أخرى لا تهم المتابع، والذي قد يؤولها بدوره إلى وجود مشاكل شخصية أو تصفية حسابات بين الطرفين، المعضلة أننا في حوارنا المحلي لا نستوعب الفكرة أمام الطرف الآخر بقدر استيعابنا لشخصه ومساوئه – إن وجدت – واستغلال ذلك سلاحاً للانتصار الذاتي دون التركيز على ما يؤيد الفكرة ذاتها أو يخالفها، لا نستطيع بثقافة الاختلاف الضحلة لدينا أن نفرق بين الفكرة وبين من يؤمن بها. إن التصنيف علة متجذرة في مجتمعنا، التصنيف وحده هو من يجعل المحاور يلجأ لثقافة الخانات والصفوف قبل أي أمر آخر، لا يهم طرف القضية بماذا يفكر الطرف الآخر بقدر من هو وماذا يكون ومن أي فئة هو، ربما لا يهمه كذلك موضوع النقاش الآني بقدر ما هو حريص على نبش تاريخ “الخصم” واختيار ما قد يكون أشد وقعاً في مسمعه، لا يهمه إن وضحت فكرته للناس بقدر اهتمامه باختيار العبارات الأشد نكاية في شخص العنصر المقابل دون أدنى اعتبار للفكرة، في ثقافتنا، لا يريد المحاور أن يكون موضوعياً إذا كانت الموضوعية ستقلل من نصيبه في الانتصار لشخصه، لا يريد كذلك أن يكون موضوعياً إن كان ذلك سيقلل من جماهيريته وشعبيته حتى وإن خالف قناعاته أو شعر بتأنيب الضمير. الرغبة في الانتقام والظهور بمظهر المنتصر كلاهما سمات بشرية جُبل عليها البشر، لكن ما ينبغي أن نستفيده من مثل هذه الوقائع أن نعوّد أنفسنا على تجريد الأفكار من معتنقيها عند مناقشة الفكرة، وأن نركز على نقاط الاتفاق أكثر من مواطن الخلاف، من المهم كذلك ألا نستغل جهل الآخر بالتفاصيل لتدعيم مواقفنا بدلاً من إظهار المعرفة إن كنا حقاً نملكها، أخيراً، أرجو من القارئ الكريم ألا يسقط ما سبق ذكره على حالة الحمادي والموسى وحدها، فهما لم يأتيا في جدالهما بجديد على ثقافتنا، ثم ليعذراني أن اخترت أن اذكرهما بأسمائهما المجردة، ذلك لأننا قوم نعيش أزمة حضارية مع المؤهلات والألقاب.