رفاق درب أوفياء اجتمعوا على كون الشهيد ماهر أحمد العبدالله الذي طوى صفحات حياته شهيداً في أحد بيوت الله، الجمعة «صاحب الابتسامة الأجمل»، لا يصدقون الخبر، لا يصدقون أنه رحل وتركهم، رحل تاركًا سجادته التي كان يلوذ بها وقت فرحه وحزنه، تاركًا عمله ودروع تكريمه، وشهادات خبرته، تاركاً ابناً اسمه حسن، وابنتين، وحفيدة واحدة، رحل عن الأرض لتستقبله السماء شهيداً، بعد أن قطع الإرهابيون الثلاثة صلاته برصاصات رشاشاتهم، التي أصابت ماهر بإصابات خطيرة، فارق الحياة على إثرها بعد محاولات لإنقاذه في مستشفى أرامكو. واحتفل الشهيد بالأمس القريب بزفاف كريمته وقبلها كُرّم من قبل البنك السعودي للإستثمار؛ لتميزه بحكم عمله؛ مديرا للخدمات الاجتماعية، قضى حياته كما يقول أحد أصدقائه عمار العبود ل»الشرق» في خدمة الناس ومساعدتهم، كما كان لين الجانب محباً للناس بشوشاً يشهد له بذلك كل من صحبه وعرفه. ولفت العبود إلى أن الشهيد خريج جامعة البترول تخصص نظم معلومات إدارية، ومن دفعة 1994 ميلادية، يعمل مدير خدمة المجتمع في البنك السعودي للاستثمار، ومن الكوادر الوطنية المخلصة، ومن المقيمين في العاصمة الرياض؛ حيث مقر عمله، ويحضر بعض الأحيان في مسقط رأسه محاسن الأحساء لزيارة أهله وأصدقائه أيام الإجازات الأسبوعية والعطل، ويغادر السبت إلى الرياض. يقول عقيل أحمد الشايب أحد أصدقاء الشهيد المقربين ل «الشرق»: تعرفت على ماهر أثناء دراستي في الجامعة، فقد كان جاري في السكن منذ 20 عاماً تقريبا ومنها انتقل للرياض للعمل والسكن بها، وماهر كان كثير الانشغال في العمل والاهتمام باحتياجات عائلته التعليمية، ونادراً ما يمتلك الوقت للقاء الأحبة؛ فقد كان رجل الإنجازات في العمل وخارجه. ويلفت الشايب إلى أن الشهيد ماهر كان يحث الآخرين على الإنجاز ومشجعا لهم ومنهم زوجته التي ثابر معها لتكمل تعليمها إلى يومنا هذا، مضيفاً إلى أن آخر لقاء كان مقدراً لنا الأربعاء المقبل؛ حيث اعتدنا اللقاء كل أسبوعين في دورية خاصة بأصدقاء الجامعة في الرياض. وتابع «لم يكن الشهيد يحضر صلاة الجماعة فقط، بل كان منزله أحد المنازل التي تقام فيها صلاة الجماعة، ومحافظاً وبشكل دائم على إقامة مجالس الدعاء، وإحياء ليالي القدر في منزله بالرياض، ولا أستغرب نيله وسام الشهادة لما لمسته منه من التزام. وبين الشايب إنه كان يرى نظرة الاطمئنان في محياه التي تخبر بعمق إيمانه، وما يقوم به من أعمال يخبر بأنه كان مستعداً للقاء ربه؛ مستدركاً أنه اعتاد على زيارته في غرفته بالجامعة، وكان ناصحاً وموجهاً ودائم الابتسام ولم نرَ منه أو من أسرته إلا كل خير. الشايب الذي بدا متألماً في مواصلة حديثه عن أعز أصدقائه يُبين أن علاقاتهما توطدت أكثر في السنوات الأخيرة، وهناك زيارات عائلية بيننا، لكنه القدر؛ فإنا لله وأنا إِليه راجعون. أما أنور المسبح، وهو أحد جيرانه وممن عاشروه منذ الصغر، يقول إن والد الشهيد العبدالله هو مؤذن مسجد الإمام الرضا، المسجد الذي شهد هجوماً إرهابياً مزدوجاً، وهناك تعارفا وتصادقا، لافتاً إلى أن أبا حسن تربى في المسجد، وبدأت سني حياته الأولى كون منزله قريباً منه، وانتهى إليه. نعيم المطوع، أحد أصدقاء الشهيد المقربين، يروي ل» الشرق» تفاصيل اللحظات الأخيرة له ويقول إن ماهراً نزل إلى الأحساء وحده، وترك عائلته في الرياض فقط من أجل متابعة بعض الأشغال الخاصة لفترة يوم أو يومين وبعدها يعود مباشرة للرياض، والتقى ببعض الأصدقاء قبيل صلاة الجمعة، وداخل المسجد، وقدم تعازيه لأحد أصدقائه بوفاة والده واعتذر لعدم تمكنه من الحضور لوجوده في الرياض. ويشير المطوع إلى أن الشهيد صديق قديم منذ المرحلة الجامعية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وكانا يسكنان في غرفة واحدة لمدة خمس سنوات، موضحاً أن علاقته بالشهيد احتضنت ذكريات جميلة لا تنسى. واستشهد ماهر في المسجد بعد أن اخترقت رصاصة الإرهابي فخذه وكتفه، مسببة له نزفاً حاداً نتيجة تأخر إسعافه. إنها الساعات تقترب، لم يهمد قلب «ماهر» عن اشتياقه لموعد طالما انتظره؛ حينما نادته زوجته، ونحن يا ماهر، لاحقة به إلى خارج المنزل، حينما رأته يهمّ لمغادرته؛ فقد كان ينبغي أن يسافروا سوياً إلى الأحساء، هو الآن سيمضي، ماذا تفعل؟ هل يكفي أن تعانقه؟ وعندما تعانقه هل بإمكانها أن لا تبكي، حقاً سيمضي لصوت الصلاة، وأظل هنا أنتظره؟! المشهد السابق أعظم من أي وصفٍ، خاصة أن زوجة الشهيد ماهر العبدالله كانت تعلم جيداً أن زوجها في الفترة الأخيرة كان كثيراً ما كان يتحدث عن الشهادة، وسألها ذات يوم: سأذهب للشهادة فهل توافقين؛ فلم تتردد وأجابت نعم. الزوجة الحائرة بدموعها والمفجوعة، تقول إن زوجها صباح الخميس، وقبل نزوله للأحساء، كان راغباً أن يكون وحده دون أسرته في سفرته الأخيرة، وذلك لإنجاز بعض المهام والأعمال. كما أن الزوجة التي كانت ترغب في تجهيز ملابس لزوجها قد يحتاجها فترة إقامته المؤقتة، رفض حملها وحمل أي حقيبة سفر في يده؛ لأنه كما تشير الزوجة إلى أن ماهر قال، «أصلاً ما برجع».