قبل يومٍ واحدٍ من موعدٍ في أواخر الشهر الفائت كان مقرَّراً فيه فرضُ عقوباتٍ أمريكيةٍ جديدةٍ على طهران؛ حذر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، نظيره الأمريكي، جون كيري، من عرقلة الخطوة اتفاقاً بشأن السجناء يتفاوض عليه الجانبان سرَّاً منذ أشهر. وعقد كيري وعددٌ من كبار مساعدي رئيس الولاياتالمتحدة، الذي كان يقضي عطلةً في هاواي، سلسلةً من المؤتمرات الهاتفية، واقتنعوا أنه ليس بوسعهم المجازفة بضياع فرصة تحرير مواطنيهم المحتجَزين. وفي اللحظة الأخيرة؛ قرر المسؤولون في إدارة باراك أوباما إرجاء تطبيق مجموعةٍ من العقوبات المحدودة ومحدَّدة الأهداف كان الغرض منها معاقبة المسؤولين الإيرانيين على حوادث إطلاق الصواريخ الأخيرة القادرة على حمل رأسٍ نووية. وروى مطَّلِعون على سير الأحداث تفاصيل المداولات الداخلية التي لم يسبِق النشرُ عنها. وبعدما أفرجت طهران أمس الأول عن الأمريكيين الخمسة المحتجزين لديها؛ من المتوقع أن تُفرَض على وجهِ السرعة العقوباتُ التي تمَّ إرجاؤها ولم تعلن إلا مساء أمس. وجرى السبت أيضاً إسقاط الاتهامات عن 8 إيرانيين متهمين بمخالفة العقوبات الأمريكية أو تخفيف الأحكام الصادرة عليهم «وذلك بمقتضى الصفقة المعقَّدة»، وفقاً لما قالته مصادر مطلعة. وتزامنت هذه الخطوات مع رفع العقوبات الأمريكية والدولية المفروضة على طهران بعد التحقُّق من تلبيتها التزاماتها للحدِّ من قدرات برنامجها النووي. لكن قرار كيري المتعلق بالعقوبات التي كانت مقرَّرةً في أواخر ديسمبر يكشف كيف تشابكت المفاوضات السرية للإفراج عن الأمريكيين مع المسعى النهائي لتنفيذ الاتفاق النووي، رغم إصرار الموقف الرسمي لواشنطن على اعتبار الأمرين منفصلين. لذا؛ يشكِّك منتقدون في قدرة إدارة أوباما على التعامل مع المسؤولين الإيرانيين ومواصلتها تنفيذ تعهدها بتشديد العقوبات السارية خارج إطار عقوبات الملف النووي. وكانت تفاصيل المحادثات الخاصة بالسجناء سرَّاً يحرص الجميع على إخفائه، لذا لم يدرك أحدٌ داخل إدارة أوباما، باستثناء عددٍ قليلٍ من المسؤولين، مدى اقتراب مفاوضات تبادل المُحتجَزين من الانهيار. وكشف مسؤولٌ أمريكي ومصادر في الكونجرس عن إبلاغ كيري نظيره ظريف في ال 29 من ديسمبر الفائت بنيَّة الولاياتالمتحدة فرض عقوباتٍ جديدة على إيران بسبب إطلاق الصواريخ الذي اعتُبِرَ انتهاكاً لحظرٍ تفرضه الأممالمتحدة. ووفقاً للمصادر؛ ردَّ ظريف قائلاً إنه إذا قرَّرت واشنطن المُضي قدُماً في هذا الأمر فإن تبادل السجناء سيُلغَى. وتحدث كيري هاتفياً تلك الليلة مع وزير الخزانة، جاك ليو، ومسؤولٍ في البيت الأبيض، واتخذ القرار بإرجاء الإعلان عن أي عقوبات. وربما أتاح تأجيل العقوبات الجديدة ولو بصفةٍ مؤقتةٍ فسحةً لظريف للتعامل مع سياسيي بلاده من المعارضين لشروط الاتفاق النووي. وكان هؤلاء أصرّوا على أن أي عقوبات جديدة ستبيِّن ما يسمونه «سوء النية» لدى الطرف الآخر. لكن خطأ بيروقراطياً كاد يهدم ما اتخذه كيري ووزير الخزانة لو من قرار، فلم يُبلِغ أحدٌ المسؤولين الأدنى درجةً في وزارة الخارجية الأمريكية خلال فترة العطلات بما حدث من تدخلٍ في اللحظات الأخيرة. ولعدم معرفتهم بتغيُّر الخطة؛ نفذ مسؤولو الخارجية المطلوب منهم وأبلغوا مكاتب رئيسةً في الكونجرس سرَّاً في صباح اليوم التالي بالعقوبات الجديدة التي تستهدف نحو 12 شركةً وفرداً. وأدرج المسؤولون فيما أرسلوه من معلوماتٍ بياناً صحفياً كانت وزارة الخزانة تنوي إصداره. ثم تراجع المسؤولون فجأة، وأبلغوا العاملين في الكونجرس ب «تأجيل الإعلان بضع ساعات». وأرسلت الخارجية في اليوم التالي رسالةً بالبريد الإلكتروني تفيد بتأجيل تنفيذ العقوبات «بسبب أعمال دبلوماسية تتفق مع مصالح أمننا القومي». وطبقاً لمصدر في الكونجرس؛ أبلغ مسؤولو الإدارة بعض العاملين في الهيئة التشريعية سرَّاً ب «أنه يجري الإعداد لحدث رئيس ستكون إيران طرفاً فيه»، للحدِّ على ما يبدو من أي انتقاداتٍ من جانب النوَّاب. مع ذلك؛ وجَّه أعضاء بارزون في الكونجرس، بعضهم من الديمقراطيين، توبيخاً للبيت الأبيض على تأجيل العقوبات، واعتبروا أن ذلك قد يشجع طهران على مزيدٍ من التهديد لجيرانها وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط. وحظِيَ الإتفاق النووي الموقَّع في ال 14 من يوليو الماضي بإشادةٍ واسعةٍ باعتباره دفعةً قويةً لما سيذكره التاريخ من «إنجازات» لأوباما. لكن الرئيس واجه أيضاً انتقاداتٍ لرفضه ربط الاتفاق بالإفراج عن مواطنيه المحتجزين لدى طهران المتهمين بالتجسس واتهامات أخرى ومنهم صحفي «واشنطن بوست»، جيسون رضائيان. وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده البيت الأبيض بعد توقيع الاتفاق؛ ذُهِلَ أوباما عندما اتهمه أحد الصحفيين بالاحتفاء بإنجازاته في السياسة الخارجية وتجاهُل محنة المحتجزين. وردَّ بالتأكيد على بذل الدبلوماسيين جهوداً لتحقيق الإفراج، لكنه أصرَّ أن ربط مصير الملف مباشرةً بالمفاوضات النووية سيشجع الطرف المقابل على طلب تنازلاتٍ إضافية. وأفاد مسؤول أمريكي بأن كيري طلب من العاملين معه مضاعفة الجهود لتحرير المحتجزين عقب توقيع اتفاق 14 يوليو. وأوضح المصدر أن المسؤول في وزارة الخارجية، بريت مكجيرك، كان يجري آنذاك مفاوضات سرية منذ أشهر مع مندوبٍ إيراني لم يذكر اسمه. وفي مؤشرٍ على التحرُّك للأمام في صفقة تبادل السجناء؛ بدأ مسؤولون في قسم رعاية المصالح الإيرانية في واشنطن لقاءاتٍ في أغسطس الماضي مع عددٍ من مواطنيهم ال 12 المحتجزين في الولاياتالمتحدة بتهم مخالفة العقوبات. وكان الهدف من هذه اللقاءات معرفة ما إذا كانوا سيرغبون في العودة لايران إذا تم ترتيب الصفقة، حسبما قال أحد المطلعين على هذه الحالات. وفي الأشهر الأخيرة؛ طرح مسؤولون إيرانيون مِراراً فكرة تبادل السجناء رغم معارضةٍ فيما يبدو من القسم الأكثر تشدداً داخل نظام علي خامنئي. ولاحظ مصدرٌ في الكونجرس أن كيري لم يُخطِر سوى عددٍ لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من كبار الأعضاء – وعلى أساس الاحتفاظ بسرية الموضوع- بأن تبادل السجناء وشيك. وكان أوباما نجح في الاحتفاظ بسرية بعض الترتيبات في الماضي، إذ تفاوض مساعدوه على صفقة في أواخر عام 2014 أدت إلى إفراج كوبا عن الأمريكي ألان جروس الذي كان يعمل في مجال الإغاثة وعن آخر يعمل لحساب المخابرات الأمريكية، بينما أفرجت واشنطن عن 3 جواسيس كوبيين. لكن تبادلاً آخر للسجناء في ذلك العام أثار رد فعل غاضباً من أعضاء الكونجرس الجمهوريين تنديداً بالإفراج عن 5 من قادة حركة «طالبان» الأفغانية المحتجزين في «جوانتانامو» مقابل إطلاق سراح الجندي الأمريكي الهارب من الخدمة، بوو بيرجدال. وغضب الأعضاء الجمهوريون من عدم إخطارهم بالموضوع من قِبَل البيت الأبيض حسبما يقتضي القانون، وألمحوا إلى أن بيرجدال عرَّض حياة جنود آخرين للخطر بهروبه من موقعه في أفغانستان ما أدى إلى عملية بحث واسعة عنه. ويوم السبت الماضي؛ انضم كيري وظريف إلى وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موجيريني، في فيينا بمناسبة يوم تنفيذ الاتفاق النووي الذي أنهى عقوباتٍ استمرت 10 سنوات على إيران. أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوباتٍ على 11 شركة وشخصاً لتقديمهم دعماً لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية. وأوضحت مصادر مطلعة أن العقوبات الجديدة فُرِضَت بعد إرجاءٍ من قِبَل إدارة الرئيس، باراك أوباما، لأكثر من أسبوعين للحيلولة دون تعثر مفاوضات الإفراج عن خمسة سجناء أمريكيين لدى طهران. ووضعت وزارة الخزانة في القائمة السوداء شركة «مبروكة» التجارية ومالكها حسين بور نغشباند لمساعدة النظام الإيراني في إنتاج ألياف كربونية لبرنامجه للصواريخ الباليستية. ويُحظَر على المؤسسات المالية والشركات في الولاياتالمتحدة التعامل مع الجهات أو الأفراد، الذين تُدرَج أسماؤهم في القائمة السوداء. وذكَّر القائم بأعمال وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، آدم سوزبين، بأن «برنامج إيران للصواريخ الباليستية يشكل خطراً كبيراً على الأمنين الإقليمي والدولي، وسيظل عرضةً للعقوبات الدولية». وكانت طهران قد أجرت اختباراً لصاروخ باليستي قادر على حمل رأس نووي في انتهاكٍ لحظرٍ فرضته الأممالمتحدة في أكتوبر الماضي.