في كتاب «دع القلق وابدأ الحياة» ل «ديل كارنيجي» جذبتني كلمة «دعْ» فكانت هي المحفز الأهم لقراءة الكتاب، فالكتب التي تناولتْ النّفس وما يعتريها من تقلبات وأحوال كثيرة وإنْ كنت ما قرأت منها -إلّا اليسير وبضع مقالات- وجاء جلّها مكتوباً بلغة علمية لا يتحمّل جفافها إلّا المختصون، أمّا القارئ العادي فلن يكلّف عقله عناء التحليل والتركيب، ناهيك عمّن يقصدها لطرد قلقٍ تلبّسه، فإنّه سيتوقف حتماً عند الكلمات الأولى في المقدّمة. وعندما ظهر الكتاب في المكتبة العربية جذبني عنوانه فسارعت لقراءته خصوصاً أنّني كنت أمر في مرحلة من قلق أثّر كثيراً في سلوكي وطال بعض قناعاتي التي كانت متسمة بالتفاؤل وحسن التوكل على الله، وأذكر أنّ أول ما شدني لإتمام قراءته وتأمل ما نقله إلينا الكاتب من مبادئ وحكم وأقوال هو ذاك الأسلوب الحميمي واللغة السّهلة والسرد الشيّق، فقد وفق في تبسيط مفهوم القلق وطرق «تبديده» بكثرة ما أورد من قصص لأشخاص سمّاهم بأسمائهم استعرضها بطريقة تجعل القارئ يحسّ أنّهم هم من يتحدثون إليه وبتواضع مما جعلنا نتقبل أسلوب الوعظ المباشر الّذي يبرز أحياناً بين سطوره. لكنّني ما زلت أتحفظ على فعل الأمر «دعْ»، فالقلق حالة شعورية تحفّزنا على أداء مهامنا على أحسن وجه، وهو ضروري لتحقيق كلّ نجاح، ووقود للمنافسة الإيجابية للوصول إلى الأهداف بين مكونات التجمعات البشرية أفراداً ومؤسسات ودولاً. لكنّ القلق مثله مثل أي شعور إنساني، ضروري للتوازن النّفسي والجسدي إذا تعاملنا معه بحكمة، ولم نحمّل أنفسنا منه ما لا تحتمل، فنعيشه في الحدود التي تعيننا على تحقيق مآربنا من غير تجاوز، وقدْ ورد من دعاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «اللّهم لا تجعلْ الدّنيا أكبر همّنا» فهي همّ وقلق. إنّ من أجمل مشاعر السعادة تلك التي تعقب موجة من القلق والتّرقّب والانتظار بتحقيق حلم، أو نيل هدف.