مازال البعض منا يستهجن ويستنكر الموقف الصيني بالفيتو ضد مشروع المجموعة العربية في مجلس الأمن في قضية سوريا، معتبرين ذلك خيانة للمنطقة بأكملها.. منطقة هي حليف اقتصادي واستراتيجي لدولة مصدرة مثل الصين! ليذهب البعض الآخر لمطالبة دول عربية وخليجية بالأخص بأخذ مواقف جدية حاسمة تجاه الصين اقتصادياً مثل قطع تصدير البترول وإيقاف الاستيراد منها! وبالرغم من أن هذا الفيتو لم يكن مفاجئا بل كانت الصين تلوح به منذ بروز القضية، فإن العنتريات! الشرقية مازالت تتلبسنا. السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: لماذا تستعمل الصين حقها بالفيتو بهذا التوقيت؟ إذا أخذنا الموقف من منظور أممي تاريخي سنجد أنه منذ رجوع الصين إلى منظومة الأممالمتحدة في عام 1971م كانت دائماً تفضل الامتناع عن التصويت بدلاً من الرفض في الكثير من القضايا التي لا تعنيها ولم تستعمل حق الفيتو إلا ثماني مرات! وكانت كلها مواقف لحماية دولتها مباشرةً إلا هذا الفيتو التاسع؟ فهل للقصة وجه آخر؟ الصينيون اليوم يواجهون لعبة كبيرة لتقسيم المنطقة العربية من جديد! و»المايسترو « فيها أو اللاعبون الرئيسون هم أمريكا والدول الأوروبية، فما حصل لتخليص ليبيا من أيادي مجرمها القذافي، كان آخر عرض مفضوح لهذا التحالف الغربي التكتيكي. الصين اليوم لا تريد أن يفلت من يدها الدور من جديد في تحديد مصير دول عربية بالمنطقة، مثل مصير دولة كسوريا كما حدث قبلها بالعراق وليبيا، حتى وإن كان ثقل سوريا اقتصاديا على الصين مقارنة بدول الخليج لا يقارن، حيث لا يتعدى التبادل التجاري بين سوريا والصين 2.3 مليار دولار بينما هو يتعدى 95 مليار دولار سنوياً مع دول الخليج! ولكن الموازين بالسياسات الخارجية والدبلوماسية لا تعتمد بالدوام على الثقل الاقتصادي للدول فقط، بقدر ما يعتمد على الموازين الاستراتيجية المستقبلية للمصالح المقدرة بين دول المنطقة ككل وانعكاسات هذه السياسات على علاقات الصين بدول آسيوية أخرى مستقبلاً. لا أظن أن للصين مصلحة ببقاء نظام مثل نظام الأسد في سوريا تحديداً، ولكن بالأكيد أن مصلحتها تكمن في أن لا يهتز أمن دولة سوريا وأن لا تندلع حرب مع إيران، التي هي المستورد النفطي الرئيس لها، في المستقبل القريب. حتى وإن كانت الصين قد قامت بقرارات احتياطية ذكية مؤخراً تحسباً لأي ضربة لإيران بالتقليل من اعتمادها على نفط إيران غير متناسين نفط الخليج الذي يشكل هو الآخر ركيزة مهمة في الاستيراد النفطي الصيني! وككل فإن ثلث استيراد دولة الصين النفطي اليوم يمرعبر مضيق هرمز! كان للكلمة الافتتاحية في جريدة «الشعب» الصينية، التي لفت نظري لها القلم السعودي الجاد الأستاذ عادل الطريفي في مقال له، مضمون يلخص مسببات الموقف الصيني الذي نستغربه! «على الرغم من أن المصالح الصينية في سوريا أقل بكثير من المصالح الروسية، فإن سقوط سوريا سيؤدي إلى تحكم الغرب في مركز الشرق الأوسط، ويجعل الضغط الغربي برمته مسلطا على إيران، وإذا اندلعت الحرب الإيرانية، فإن اعتماد الصين على النفط الروسي سيزداد، وبذلك ستطرأ تغيرات جديدة على العلاقات الاستراتيجية الصينية – الروسية» («الشعب» اليومية، 9 فبراير2012) الصين دولة عبر التاريخ الحديث أثبتت سياساتها الخارجية أنها دولة لا تحب المواجهه أبدا، وتفضل الوقوف ومشاهدة الآخرين يتعاركون لتبقى هي الكبير العاقل بينهم، فطالما صادراتها قائمة ومستمرة بدون أي عوائق لن نرى أنيابها أبداً. إلا إن كان التحدي مباشراً، فالصين سياسة دبلوماسية تتحاشى المواجهة وتتفنن بممارسة أوجه الدبلوماسية الصامتة في الأممالمتحدة وفي علاقاتها الخارجية ككل، وهي الدبلوماسية الأصعب تكتيكياً في التطبيق سياسياً والأكثر ندرة عبر التاريخ. الكرة اليوم في ملعب دول الخليج للتعامل مع «أنياب الصين»، فعلينا نحن أن نمد يدنا للصين وأن نستثمر أكثر في سياسات التطمين لها على مستقبلها السياسي والاقتصادي في المنطقة، وأن نبدأ في بناء خطط بديلة تطمئن الصين اقتصادياً وتبني تحالفات أكثر صلابة مع «قادة المستقبل الجديد» ونتعلم مما فعله بنا، أصدقاؤنا «القادة القدامى».