اعتبرت وسائل إعلام في تونس خروج وزير الداخلية، محمد ناجم الغرسلي، من التركيبة الوزارية مفاجأةً «رغم أدائه الجيد»، بينما ذهبت إلى اعتبار خروج وزير الشؤون الدينية، عثمان بطيخ، ترضيةً لحركة النهضة الإسلامية. وأجرى رئيس الوزراء، الحبيب الصيد، مساء الأربعاء أول تعديلٍ وزاري على حكومته «لإعطائها نفساً جديداً» في وقتٍ تواجه البلاد فيه تحديات أمنية واقتصادية جمَّة. وتمَّ تعيين 12 وزيرا جديداً وإلغاء 14 كتابة دولة (وزارة دولة). وزارات سيادية وشمِلَ التعديل ثلاث وزارات سيادية هي الداخلية والعدل والخارجية. وسُمِّيَ الهادي المجدوب وزيراً للداخلية خلفاً لناجم الغرسلي، وخميس الجهيناوي وزيراً للشؤون الخارجية خلفاً للطيِّب البكوش، والقاضي عمر منصور وزيراً للعدل. والجهيناوي مستشار دبلوماسي لدى الرئيس، الباجي قائد السبسي. ومنذ إقالة وزير العدل السابق، محمد صالح بن عيسى، في 20 أكتوبر إثر خلافات مع رئيس الحكومة حول مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء؛ كلَّف الحبيب الصيد وزير الدفاع الحالي، فرحات الحرشاني، ب «الإشراف بالنيابة على تسيير حقيبة العدل». وليس لوزيري الداخلية والعدل الجديدين انتماءات سياسية معلنة. وكان الهادي المجدوب يشغل منصب كاتب دولة مكلفاً بالشؤون المحلية لدى وزير الداخلية السابق، أما عمر منصور فكان والياً على إريانة (شمال شرق) منذ الصيف. الغرسلي ووصفت وسائل إعلام محلية تغيير ناجم الغرسلي ب «مفاجأة» رغم تعرض البلاد خلال الفترة التي تولَّى فيها وزارة الداخلية 3 هجمات دموية تبناها تنظيم «داعش» الإرهابي. وأوردت يومية «المغرب» أن «خروج ناجم الغرسلي كان مفاجئاً (..) إذ رغم السنة السوداء التي مرَّت بها تونس؛ فلقد كان أداؤه يحظى بالاحترام». وعبَّرت النائبة البرلمانية في كتلة حزب «نداء تونس» الحاكم، بشرى بلحاج حميدة، عن مضمونٍ مماثل. وصرَّحت بأن «الغرسلي، وهو وزير شرَع في تنفيذ إصلاحات في وزارة الداخلية، يتمُّ تغييره، ووزراء آخرون فشلوا لا يتمُّ تغييرهم». وتسمية وزير داخلية جديد هو ثاني أهمُّ تغييرٍ أمني تتخذه حكومة الصيد منذ مقتل 12 من عناصر الأمن الرئاسي في هجومٍ انتحاري استهدف حافلتهم في العاصمة في 24 نوفمبر الماضي. وفي الأول من ديسمبر؛ عزلت الحكومة مديري 5 أجهزة أمنية بينها المخابرات. بطيخ وعيَّن الصيد محمد خليل وزيراً للشؤون الدينية خلفاً لعثمان بطيخ الذي واجه انتقادات كبيرة من قيادات في حركة النهضة الإسلامية ثاني قوة في البرلمان بعد «نداء تونس». ومنشأ الخلاف بين بطيخ والحركة عزلُهُ أئمةً مثيرين للجدل محسوبين على تيار «النهضة» ضمن خطةٍ تبناها ل «تحييد» أماكن العبادة. واعتبرت يومية «الشروق» تغيير وزير الشؤون الدينية «إرضاءً لحزب حركة النهضة». وبالمثل؛ كتبت يومية «المغرب» أن «النهضة ربحت معركتها ضد الوزير عثمان بطيخ» بعد عزله. وتوقَّع المحلل أحمد المناعي استعادة الحركة ما سمَّاه «السيطرة على المساجد» بعد التغيير الأخير. مكافحة الفساد إلى ذلك؛ استحدث الصيد بموجب تعديل الأربعاء حقيبتين جديدتين هما وزارة «الشؤون المحلية» التي أسندها إلى القيادي في «نداء تونس»، يوسف الشاهد، ووزارة «الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد» التي أسندها إلى كمال العيادي. وكان الوزير المكلَّف بالعلاقات مع مجلس النواب، لزهر العكرمي، استقال في مطلع أكتوبر الماضي بسبب ما أسماه «عدم وجود إرادة سياسية في مكافحة الفساد». وكانت تلك أول استقالة من الحكومة منذ توليها مهامها في فبراير الماضي. وعاد الحديث بقوةٍ عن الفساد في البلاد منذ تبنَّى مجلس الوزراء في منتصف يوليو مشروع قانونٍ اقترحه الرئيس السبسي ويقضي ب «مصالحة» مع رجال أعمال فاسدين شرط إرجاعهم أموالاً عامة نهبوها. وفي تقريرٍ له بعنوان «الثورة غير المكتملة» صدر في مايو 2014؛ ذكر البنك الدولي أن «الفساد يكبِّد تونس 2 % من إجمالي الناتج المحلي سنوياً»، لافتاً إلى «تفاقم» هذه الظاهرة منذ الثورة التي أطاحت مطلع 2011 بالنظام السابق. وتراجَع ترتيب البلاد في لائحة الفساد لمنظمة الشفافية الدولية إلى المرتبة ال 79 في 2014 بعدما احتلت المرتبة ال 59 في 2010. ورقة أخيرة ولم يشمل التعديل الوزاري عدداً من الحقائب بينها خصوصاً حقيبة التكوين المهني والتشغيل التي يتولاها زياد لعذاري. ولعذاري هو الوزير الوحيد المنتمي إلى «النهضة». ورأى الخبير السياسي، صلاح الدين جرشي، في التعديل إشارة واضحة إلى عدم رضا الرئيس ورئيس الحكومة عن أداء بعض الوزراء. ووصف هذا التعديل ب «آخر ورقة للصيد»، مُكملاً «إذا أخفق الفريق الجديد، فإن هذا سينهي العمل السياسي لرئيس الوزراء». ووصل الصيد إلى منصبه بعد انتخابات تشريعية ورئاسية فاز فيها «نداء تونس» وزعيمه السبسي في خريف 2014. لكن الحزب، الذي تأسَّس في 2012، يشهد حالياً حرب زعامات، ويتنازع على القرار داخله الأمين العام الحالي، محسن مرزوق (يساري)، ونائب رئيس الحزب، حافظ قائد السبسي، الذي يتهمه خصومه بالسعي إلى «خلافة» والده. و«نلاحظ في هذا التعديل الوزاري أن كل العناصر القريبين من مرزوق استُبعِدوا»، بحسب صلاح الدين جرشي. وكان مرزوق أعلن أمس الأول عن نيته الانفصال عن الحزب وتأسيس آخر جديد خلال الشهر الحالي.