«الميزانية بداية لبناء اقتصاد قوي وسترفع كفاءة الإنفاق العام». هكذا هي الحكمة، وهكذا هي المملكة العربية السعودية وحكامها مُنذُ التأسيس، ومن لم يقرأ أبواب الميزانية بشكل عقلاني، ومنطقي ويُقارنها بالأحداث، ويربطها تاريخياً بتسلسل الأُمم والشُعوب، وكيف كانت، وكيف أضحت، ثم كيف نافست فلن تُجدي معه النقاشات، وستظل نظرته قاصرة على مجموعة من الأرقام الرياضية فقط، ينظر إلى أرقام الموازنة من خلال ثُقب صغير، فالإيرادات أقل بكثير من المصروفات إذاً نحنُ في عجز تام، وكيف ستتخلّص الدولة من هذا العجز.. هكذا هي عقول القاصرين أو قصيري النظر في تحليل الميزانيات للدُول، وهكذا هي نظرات المُحللين العابثين بعقول البعض ممّن لم يكتسب خبرات في التحليل المالي أو (علم الموازنات) وأبعادها وما لها وما عليها وما الأرقام المُعلنة سوى تقديرات رُبما تتغيّر فعلياً ورُبما أنها تنمُ عن واقع يعلمه القائمون على هذا البلد أو ذاك، ويُدركون معنى أن تكون النفقات أكثر من الإيرادات ولعلّهم يتساءلون كيف تكون ميزانية خير ونفقاتها كثيرة وعجزها يفوق الثلاثمائة مليار..؟ سأقول لكم وسأختصرها بسبع نقاط.. أولاً: من يقرأ ما بين الأسطر لكلمات خادم الحرمين الشريفين يُدرك شفافية هذا الرجل، وما يسعى إليه وما يهدف إليه وما هي النظرات المُستقبلية لهذا الوطن وأبنائه «لن نقبل التهاون في تحقيق مصلحة المواطن» ، «إطلاق برنامج إصلاحات اقتصادية عبر مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية». ثانياً: حددت الميزانية وبالفم المليان من قائد هذه الأُمة أن الأولوية لاستكمال المشاريع في الميزانيات السابقة، وهذا بحد ذاته تحد كبير ونقلة تصبُّ في صالح المواطن فلن يكون هُناك مشاريع مُتعثرة ولن يبقى أي صاحب شركة أو مؤسسة إلا وأخذ حقه، واستكمل مشروعه وبالتالي تدفق رؤوس الأموال ودورانها في عملية اقتصادية مُنظّمة وبالتالي ورغم التراجع الكبير في أسعار النفط هُناك تحديات اقتصادية نواجهها في المُستقبل القريب والبعيد، ولا بُد من تضافر الجهود لتفادي الأزمات المُتوقعة وهذا ما تسعى إليه الميزانية بأبوابها وبنودها وطرق توزيعها. ثالثاً: ليعلم الجميع وهذه جاءت كرسائل من القادة ومن الوزراء في مؤتمرهم الصحفي الذي أعقب إعلان صدور الميزانية أن برنامج الإصلاح الاقتصادي لن يكون مفروشاً بالورد ونحتاج إلى كافة الجهود لنواجه الضغوطات التي تأتي من الداخل والخارج وطبيعتها التي لاترغب التغيير، ولا الإصلاحات كونها تضُر بمصالحها ومن هذا المُنطلق أكد خادم الحرمين الشريفين حفظه الله أن «اقتصادنا لديه مقومات وإمكانيات لمواجهة التحديات». رابعاً: كون برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يسعى بل انطلق من خلال برنامج التحول الوطني وهو مربوط زمنياً بالعام 2020 الذي أطلقه سمو الأمير محمد بن سلمان يتزامن مع بنود الميزانية وأهدافها وفروعها ولابُد من قراءة توزيع الميزانية بعين ثاقبة مُدركة أهمية نجاح هذا البرنامج كونه يصُب في الصالح العام ولمصلحة الوطن والمواطن لا نطلب التقشف ولا نطالب المواطن بالكسل، بل هي دعوة صادقة من خلال هذا البرنامج والبرامج الأُخرى المصاحبة للعمل والانطلاق نحو التغيير للأفضل والعمل في مؤسسات صغيرة ومشاريع صغيرة، ومن يعمل عليه كسب الخبرات وأخذ مزيد من الدورات التدريبية على رأس العمل هي حلقات مترابطة للخروج من عباءة الدولة، وأن الدولة تكون الحاضنة لكل أعمالنا ومعاشاتنا ومُتكفلة بأدوارنا والبحث لنا عن لُقمة العيش ألا يكفي هذا الدور؟ والآن جاء دوركم للمُشاركة وكثر الله خير الدولة..! خامساً: لأول مرة يكون هُناك مُؤتمر صحفي لعدد من الوزراء بعد إعلان الميزانية العامة للدولة وما معنى ذلك…؟ هي رسالة فحواها أنتم أيها المواطنون من حقكم أن تعرفوا كُل التفاصيل التي جاءت بها الميزانية أنتم شُركاء في هذا البناء، شُركاء في الرخاء والشدّة أنتم لُحمة هذا الوطن وطُوبه الذي يبني به جدرانه السميكة، وعموده الفقري، وهي دعوة لتقبّل فكرة (التخصيص) وتهيئة المُجتمع لقبول هذه الفكرة وتخلّي الدولة عن الدعم، ولابُدّ أن يتقبّل المُواطن هذه المُشاركة. سادساً: ارتفاع أسعار الطاقة منطقي وعقلاني، كوننا مُنذ سنوات نشتري الوقود بأقل الأسعار في العالم وجاء الآن دور المُشاركة من المواطن وهي بداية التقشف الحقيقي لسياسة الميزانية وسوف تكون علامة بارزة إيجابية للتنمية الاقتصادية. سابعاً: الميزانية بحد ذاتها (لمن يقرأها) بعين ثاقبة يُدرك أنها تسعى لتحقيق أهداف بعيدة المدى على أُسس ثابتة ومتينة بالوقت نفسه، ميزانية تختلفُ عن السابق ولكنها ميزانية الجيل القادم، والأعوام القادمة، والاقتصاد القادم (برنامج التحوّل الوطني انطلق وعلى الجميع أن يكون راكباً في هذا القطار).